حينما يكون الحديث عن اليوم الوطني الثالث والثمانين إنما يكون ذلك عبارة عن استدعاء للتاريخ لكي يرسم لنا دلالات واضحة عن أسباب هذا الاحتفاء وليوضح لنا حجم المناسبة وروعة المنجز.
الاحتفاء باليوم هو احتفاء واحتفال بقيام دولة عربية إسلامية عصرية حديثة, نهضت بعد ضعف, وتوحدت بعد شتات، وتعلمت بعد جهل، وتطورت وتقدمت بعد تخلف، وأصبحت من الدول العشرين المؤثرة في رسم السياسة العالمية وتوجيه دفتها في العالم المعاصر.
كان وراء هذا المنجز الحضاري المعاصر رجل التوحيد والوحدة الكبير عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله - الذي رفع اللواء، ورسم طريق العزة والكرامة والانتماء، عبد العزيز الذي لوى عنق التاريخ وغير مساره بلا تردد، ليقدم للعالم النموذج الأصيل للدين والدولة، والتوحيد والوحدة، والنمو والتنمية.
لقد كُتبت عنه وعن نموذج التوحيد والوحدة آلاف الكتب والمقالات والرسائل والدراسات، وهناك ببليوجرافيا ضخمة رصدت سيرة هذا القائد الرائد ومسيرته، ووثقت إنجازاته وإنجازات أبنائه من بعده، دراسات وأبحاث عربية وإسلامية وأوروبية وأمريكية, كلها تتحدث عن النموذج السعودي في تقديم دولة إسلامية معاصرة خلال فترة وجيزة، على الرغم من الواقع الدولي الحافل بالصراعات والحروب فيما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، وسقوط امبراطوريات وظهور أخرى، وقيام تحالفات واستقطابات كان تأثيرها في النظام الدولي واضح وكبير، ولكن عبد العزيز تمكن من لم الشتات، وتوحيد البلاد، والنهوض بها وفي كل مجال، والعالم يموج من حوله بالأفكار، والدعوات، والإيديولوجيات، والسياسات الاستعمارية والاستكبارية، ولذلك لفت الأنظار إليه وإلى بلاده، لدراسة هذه التجربة، ومتابعة هذه الظاهرة الجديدة على العالم أجمع.
ولعلنا نورد بعض ما ذكره هؤلاء ممن زاروا المملكة أو تابعوا هذا الإنجاز العظيم:
يقول الدكتور «فون وايزل» الألماني: (وإذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف امبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معاً، بعد أن كان زعيماً بسيطاً.... لم يداخلكم الشك في أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يسمى «نابغة «.)
ويقول «جان بول مانيه»: (لقد خلف ابن سعود الذي لقبه الإنجليز بنابليون الجزيرة العربية مملكة شاسعة، تعادل نصف مساحة أوروبا.... وكان في الوقت نفسه الزعيم المرموق في العالم العربي.. لقد استطاع ابن سعود في خضم القرن العشرين أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة.)
ويقول الزعيم الهندي المحنك «جواهر لال نهرو»:
(بعد أن نجح ابن سعود كجندي وكمحارب، كرس كل جهوده لبناء بلاده على أسس عصرية حديثة، لقد أراد القفز بها من حياتها القبلية إلى حياة العصر الحديث، ويظهر أن ابن سعود قد نجح إلى حد كبير في هذا المضمار، وأثبت بذلك أنه رجل سياسي قدير بعيد النظر....)
ويقول السياسي البريطاني «انتوني ناتنج»:
(جملة القول إن الملك عبد العزيز قد نجح في تحويل مجتمع الجزيرة العربية من قبائل مقتتلة إلى شعب يعي معنى المواطنة والاستقرار، والتحول من طرق البداوة والرعي والارتحال إلى الزراعة والأسرة، كما نشر روح المعرفة وطلب العلم، بل تطوير مفاهيم مجتمع برمته، والانتقال به من التخلف إلى مرحلة جديدة تماماً من الحضارة البشرية رقياً وتقدماً...)
ويقول الكاتب الأمريكي «إدوار بكنج»:
(إذا بحثنا عن يقظة الشعوب العربية وجب أن نبحث عن شخصية ابن سعود، فهذا الرجل الذي ظهر في الجزيرة العربية _ مهبط الوحي _ وأخذ ينشر دعوته بين العرب قد أثار في النفوس شيئاً من الحركة والنشاط، وأرغم شعوب العرب على الاعتقاد بأنها كانت راقدة وفي وسعها أن تستيقظ).
وما أوردته هنا من شهادات بعض الساسة والكتاب إنما هو مجرد إشارة، شهد بها الشرق والغرب من نجاح الملك عبد العزيز -يرحمه الله – في بناء دولة قوية معاصرة، نتفيأ ظلالها، ونعيش تحت رايتها آمنين مطمئنين، في الوقت الذي نرى فيه العالم من حولنا يدور ويمور، والفتن والبلايا تتناثر هنا وهناك، داعية بالويل والثبور وعظائم الأمور.
لقد سارت بلادنا – والحمد لله – وفق رؤية إسلامية عربية حضارية، ونهضت وتقدمت في المجالات كافة، وحققت من المنجزات ما يشهد به القاصي والداني، وتحقق للمواطن السعودي الكثير مما يصبو إليه، وهذا يستدعي منا جميعاً أن ندرك أن علينا واجباً دينياً ووطنياً تجاه هذه المنجزات أولها: شكر الله سبحانه وتعالى على ما من به علينا من تحكيم شرعه، والسير على نهج نبيه، وما نتج عن ذلك من أمن وأمان، وخيرات حسان، وتقدم في كل مجال وتنمية في كل ناحية، ومكانة إقليمية ودولية مرموقة.
وثانيها: أن ندرك أن الآباء والأجداد بقيادة رشيدة من ولاة أمر هذه البلاد المباركة عبر أكثر من ثمانين عاماً قد بذلوا النفس والنفيس، وصبروا وكافحوا ونافحوا حتى تستمر مسيرة البناء والعطاء، ومن ثم وجب علينا أن نحفظ لهم حقوقهم بالدعاء والذكر الحسن والعرفان والامتنان.
أما ثالثها: فهو أننا ونحن نحتفل باليوم الوطني يجب أن نعمق ونجذر في نفوسنا ونفوس أبنائنا وبناتنا الولاء والانتماء للدين والمليك والوطن، وأن يتواكب مع ذلك المحافظة على منجزات الوطن، وحب الوطن، والدفاع عن الوطن، وبناء الوطن، وأن يكون كل منا لبنة قوية في هذا الوطن، لا نعشق سواه ولا نرجو إلا عزه وعلاه.
ولي وطن آليت ألا أبيعه.
وألا أرى غيري له الدهر مالكا
- مدير جامعة الجوف