بعد 34 عاماً من الخصام والحروب الكلامية التي كانت تقترب كثيراً من حافة الحرب العسكرية لا يمكن لأمريكا وإيران تسوية مشاكلهما والشكوك المتبادلة بمجرد إجراء مكالمة هاتفية بين رئيسي البلاد.
الأمريكيون يخضعون كل شيء للتحليل وتفكيك الكلمات والتصريحات بل حتى حركات الجسد، جسد المصرِّح، لدراسة من خلاله علم حركات الجسد، وقد وصلوا بعد كل الذي سمعوه وشاهدوه من روحاني ووزير خارجيته ظريف، وما كان قد رصدوه من إشارات واردة من طهران، أن الإيرانيين لم يصبحوا جاهزين تماماً للانخراط في عملية تسوية علاقاتهم مع من كانوا يطلقون عليه وما زالوا (الشيطان الأكبر).
الأمريكيون فهموا بأن ما قامت به إيران عبر رئيسها الجديد وفريقه السياسي الذي رافقه إلى نيويورك، هي حملة علاقات عامة، ولذلك فإنهم لم يندفعوا كثيراً وراء الهدف الإيراني، إلا أنهم لم يغلقوا الباب تماماً، فهم يريدون المناقشة في كل الأمور العالقة مع ملالي طهران، وهم يعرفون ما يريدون منهم وما يريده الملالي منهم.
ثلاثة مطالب يسعى إليها الأمريكيون:
أولاً، وقف برنامج التسلح النووي الإيراني وهو ما يتطلب خفض تخصيب اليورانيوم إلى أقل مما وصله الآن، أي 5%.
ثانياً، أن تظهر طهران سلوكاً مقبولاً كدولة مسؤولة وتساهم في الحد من تفشي الإرهاب وهذا ما يفرض على نظام طهران أن يوقف دعم الجماعات الإرهابية كحزب حسن نصر الله والخلايا الإرهابية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
ثالثاً: أن يكون نظاماً إيجابياً وفعالاً في منطقة الشرق الأوسط ويساعد على السلام والاستقرار مما يتطلب منه عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وبالذات في دول الخليج العربية ولبنان وفلسطين.
هذه المطالب الأمريكية يعيها الإيرانيون الذين يطالبون بالمقابل، السماح لهم بمواصلة البرنامج النووي الذي يعدون على أنه مخصص للأغراض السلمية.
ثانياً: أن ترفع العقوبات الاقتصادية وتفك العزلة عن النظام.
ثالثاً: أن يوافق بأن يكون لإيران دوراً قيادياً أو على الأقل محورياً في المنطقة كدولة رئيسة إن لم تكن الدول (العظمى) في المنطقة.
مطالب واضحة لكلا الطرفين وكل منهما لديه أوراق لتحريكها واستثمارها لتحقيق مطالبه، ولكن هل يثق كل منهما بالآخر؟!
حتى الآن لا تزال الشكوك عميقة، وقد هزت تصريحات وأقوال من طهران تكشف عن تنصل إيراني مما قاله رئيسهم في نيويورك.
ففي أول تنصل إيراني من مفردات التقارب مع أمريكا التي بشر فيها الوفد الإيراني في نيويورك حيث أعلن عن استعداده لتجميد عمليات التخصيب مقابل رفع للعقوبات الاقتصادية الدولية، أكد أمس الأحد مساعد وزارة الخارجية الإيرانية عباس عراقجي بأن إيران ستستمر بعملية تخصيب اليورانيوم في كل الظروف وهو موقف حاسم لن تتنازل عنه. وقال عضو الوفد الإيراني المرافق للرئيس روحاني في زيارته إلى نيويورك: إننا نصر منذ 10 أعوام على هذه القضية وهو أنه ليس من الممكن وقف التخصيب. وأكد بأن عملية التخصيب ستستمر مهما كانت الظروف وهو موقف حاسم لطهران لن تحيد عنه.
وحول الدور الإيراني في المنطقة وبالذات الموضوع السوري أكد مسؤول إيراني آخر أن موقف طهران ثابت وواضح حيال سوريا، وهي أكدت منذ البداية على الحل السياسي، معتبراً أنه لا تغيير في الأصول لدى الحكومة الجديدة في إيران، ويجب تفعيل الحل السياسي، واعتبر مساعد وزيرالخارجية حسين أمير أن كل المنطقة تعاني اليوم من تداعيات الأحداث في سوريا، لأن ما يجري هناك يؤدي إلى ظهور التشدد في الدول المجاورة، حيث يتم الحديث اليوم بكل صراحة عن وجود عناصر القاعدة والتكفيريين وتجمعهم في سوريا.
هذان الموقفان يكشفان أن طهران لم تحزم أمرها بعد وتترك تحسين علاقاتها مع واشنطن للتفاوض وتقديم (هدايا) أمريكا مقابل عودة النظام إلى الانضباط.
jaser@al-jazirah.com.sa