* هناك سؤال يطرحه عليَّ بعض أهل الفضل و(الفضول) معاً حول سيرتي مع الحرف.. كيف بدأت، وكيف استمرت عبر السنين.
* وسؤال كهذا يستصحب العديد من الذكريات والمواقف، ليس في هذا السياق مكان لسَردها تفصيلاً، وحسبي هنا القول إن (فتنة) الكتابة، (زارتني) صدفة ذات يوم من ذات عام بلا موعد ولا تخطيط، وكنت يومئذٍ تلميذاً في السنة الأولى بثانوية اليمامة بالرياض، حين اقتحم حصن وجداني الصغير صديقٌ لسيدي الوالد (رحمهما الله)، إذ داهمني الزائر الكريم بالسؤال التالي: (لـماذا لا تكتب يا عبد الرحمن)؟! وقد حاصرني الذهول من شفافية السؤال وعفويته وتمرده على حضور أبي، ولم أجرؤ على الرد لحظتئذٍ خوفاً من رد فعله، متذكراً (تحفُّظه) - رحمه الله - على ممارسة الكتابة في الصحف، خوفاً من شقائها! ولذا، فقد تولى والدي مهمة الرد على السائل قائلاً: (دع عبد الرحمن ينهي دراسته أولاً، ولا تشغله بمثل هذا السؤال)!
* * *
* لكنني رغم تحفُّظ الوالد الحنون، لم أستسلم لليأس، بل انتقلتْ إليَّ عدوى السؤال المطروح، خصوصاً أنه قد لامسَ شغاف الوجدان الأدبي في أعماقي.
* * *
* وحين عدت إلى غرفتي في المنزل بعد انصراف الزائر، كررت السؤال على نفسي قائلاً: (ولمَِ لا تكتب يا عبد الرحمن)؟! وتردد صدى هذا السؤال في خاطري لحظتئذٍ لينالني بسببه (مسٌّ من السحر الحلال) يحرضني على الكتابة حتى لو ترتب على ذلك الفعل (عصيانٌ خفي) لإرادة سيدي الوالد، وقررت أن أتابع بحرص شديد رد الفعل لديه، فإن اعترض وكرر الاعتراض، فلا مفر من طاعته، وإن تجاهل الأمر أو جامل فيه، مضيت في مشواري الجديد!
* * *
* ولم يمضِ أسبوعان حتى نُشر لي أول مقال فـي صحيفة (القصيم) الشابّة، تبعتها محاولات أخرى على نحو منتظم، في حين لم أسمع فيه من سيدي الوالد اعتراضاً أو إنكاراً لخوض تلك التجربة، وهكذا.. ولدتُ كتابةً.. وعشت في ظلال القلم الشاب أزهى لحظات العمر!
* * *
* تلك كانت نقطة البداية في مشوار الود بيني وبين الكتابة. كنت أمارسها بحثاً عن نفسي، ولا شيء سوى ذلك! وتضافر مع ذلك أنني كنت في صدر صباي أعيش نوعاً من (الغربة) داخل أسوار الذات، بفعل إرهاصات داخلية وخارجية لم يكن لي عليها أمرٌ ولا نهي، وقد وجدت في القراءة أولاً، ثم الكتابة لاحقاً، ملاذاً أعتصم به، وأحاول من خلاله إعادة التعرف على قدراتي الأدبية المبكرة.
* * *
* وحين فُتِنتُ بالكتابة لم أكن أطمع في شهرة ولا مال، بل كنت أبحث عن نفسي كيلا تصادرها مني سطوةُ الزحام! كنت أشعر أن في صدري شيئاً يستحق البوح، فبحت به، وما برحت أبوح! كان حب الوطن هاجسي الأول فمارست (الصهيل) الحر من أجله، وكان عشق اللغة العربية، أدباً ووسيلة تعبير، قريني، فرحت أركض في دروبها بشغف منذ نصف قرن تقريباً!
* باختصار: كانت الكتابة سلوتي ووسيلتي وغايتي!