ماذا يدور في خَلَدِك إذا سمعت كلمة «ألمانيا»؟
تختلف الإجابة باختلاف الشعوب، فالفرنسيون والبريطانيون قد تتبادر إلى أذهانهم الحربان العالميتان الأولى والثانية واللتان هاجمت فيهما ألمانيا هاتين الدولتين، واليهود يتبادر الخوف إلى قلوبهم إذا تذكروا أدولف هتلر وهاينرخ هملر قائد جهاز الغستابو الأمني الذي أذلهم وأرهبهم. البعض يخطر في نفسه الكفاءة والدقة الألمانية الشهيرة، وغيرهم قد يتبرّم من الانضباط والصرامة اللتان عُرِفت بهما هذه الأمة.
مهما كان رأي الشخص فإن ألمانيا دولة تتميّز بصفاتٍ حسنة جعلتها من أقوى وأغنى الدول، ولديها مظاهر ثقافية وفرائد تجارية جعلتها من أكثر الأمم انضباطاً وكفاءة، ومن الأشياء التي شدّت انتباهي وأعجبتني فيهم:
- في ألمانيا، لا يستطيع المرء الحصول على رخصة قيادة إلا إذا أخذ دورة مدتها 8 ساعات في الإسعافات الأولية. أما إذا كان الشخص يمتهن مهنة معينة (مثل مدرس أو سائق شاحنة وغيرها) وهي مهن يحددها القانون فإن الدورة تكون أطول، فتصير 16 ساعة ويجب على الشخص أن يكررها كل سنتين. غير القيادة فإن الشركات عموماً مُلزَمة قانونياً أن لا تقل نسبة من يعرفون الإسعافات الأولية عن 10% من موظفي الشركة.
- في بعض المدن الألمانية السجين الذي يهرب من سجنه لا يعاقَب لأن القانون الألماني يرى أنه من الطبيعي أن تنشد النفس الإنسانية الحرية.
- تحوي ألمانيا بعض أقدم الشركات في العالم، منها فندق زوم روتن بارين في مدينة فرايبرغ والذي أُسِّسَ عام 1120م (513هـ) ولا زال قائماً إلى اليوم! أيضاً منها مخبز هوفبفستري الذي أُنشئ عام 1331م ولا زال يبيع الخبز الساخن.
- في ألمانيا أيضاً أقدم قطار معلَّق في العالم وهو قطار ووبرتال الذي بُني عام 1897م ولا زال بعد كل هذه المدة يُستخدم، وينقل سنوياً 25 مليون شخص. إنه الإتقان والإخلاص الألماني في العمل!
- من يعيش في ألمانيا فلن يستطيع أن يرمي النفايات بالسهولة التي تعوّد عليها الناس. السبب هو أن ألمانيا دولة وصلت في التحضُّر إلى درجة عالية حتى صارت تهتم بإعادة تدوير النفايات، فيكون في بيتك عدة أكياس نفايات ذوات ألوان مختلفة، فالكيس ذو اللون البني تضع فيه الأشياء العضوية مثل بقايا الطعام والنبات، والكيس الأزرق يستقبل الورق، والأصفر للبلاستيك، والرمادي هو الكيس الذي تضع فيه الأشياء التي لا يمكن إعادة تدويرها مثل الأدوات الكهربائية المكسورة وقطع السيراميك المفتَّتة. لدى البلدية جدول معيّن بحيث يلتقط القَمّام نوعاً معيناً من النفايات كل يوم، ففي يوم معين لا تُخرِج إلا النفاية الصفراء، والذي بعده لا تُخرِج إلا الزرقاء، وهكذا. لهذا عليك أن تفرز نفاياتك لتعيد استهلاك أكبر قدر ممكن منها، أما إذا أردت أن ترمي الكثير من النفايات التي لا يمكن إعادة تدويرها فإنك تدفع رسوماً! تقيس البلدية حجم صندوق النفايات الرمادي لديك وتفرض عليك مبلغاً معيناً، وكلما زاد حجمها زاد المبلغ الذي يجب أن تدفعه، لهذا برع الألمان في فرز نفاياتهم بحيث يذهب الكثير منها لإعادة التدوير ولا يرمون إلا ما يضطرون فعلاً لرميه.
- في ألمانيا نظام للرعاية الصحية لكل الألمان فلا تقصِم ظهورهم تكاليف المستشفيات، وهذا النظام يُطبَّق في ألمانيا منذ عام 1883م.
- في ألمانيا جسر يصِلُ منطقة مع منطقة أخرى، لكنه جسر من نوع آخر، فهو جسر من الماء يصل قناتين مائيتين! جسر ماغديبورغ يربط بين قناة إلبي هافل وقناة ميتيلاند بحيث تُبحر السفن من قناة إلى الأخرى أعلى نهر إلبي وبدون أن تلمس النهر! هذا النهر منخفض الماء مما يسبب مشاكل للسفن، فكان هذا الحل.
ألمانيا تحوي بعض أجمل مناطق العالم الطبيعية، لكنهم أضافوا الإتقان والعِلم والتفاني في العمل فجمعوا الخيرين الطبيعي والمصنوع، ويستحقون الإشادة لهذا.
Twitter: @i_alammar