لا أدري إلى أين ستصل بنا سياسة دعم الشعير المستورد، وجله يذهب إلى تربية الجمال، الأرقام تقول إننا الآن نستورد 50% من انتاج العالم من أقصاه إلى أقصاه من الشعير، وإن واصلنا على هذا المنوال، ومع تكاثر أعداد الجمال نتيجة لهذا الدعم، ربما نصل إلى درجة لا نستطيع فيها تلبية علف إبلنا - بارك الله فيها - بالشعير؛ لأن إنتاج العالم كله حينها لن يكفي.
في الماضي كانت الجمال محوراً من محاور الحياة في الصحراء لا يستطيع ساكنها العيش بدونها، فظهورها وسيلة من وسائل المواصلات والنقل، ولحومها وألبانها مصدر من مصادر الطعام، ووَبرُهُا مصدر للغزل والنسيج، فضلاً عن أنها كانت حينئذ وسيلة من وسائل الاستثمار وإنماء الثروات. الآن أحلناها عملياً إلى (التقاعد)؛ إلا أن تكلفتها بعد التقاعد أصبحت عالة علينا وعلى اقتصادنا.
ولا أجد أي سبب منطقي اقتصادي أو غير اقتصادي يجعلنا نستمر في المعونة إلى هذه الدرجة من الإسراف غير المعقولة؛ فالإبل لم يعد لها أية قيمة عملية؛ فقد تحولت تربيتها في الغالب من مصدر رزق إلى هواية ومصدر فخر لبعض المترفين ليس إلا، وتلبية الترف والتفاخر بالجمال ليست اطلاقاً سبباً مقنعاً لأن نستمر في الدعم إلى ما لا نهاية، سيما وأن تكاثرها إلى هذه الدرجة غير المعقولة سيجعلها مركز تكلفة دونما مردود مقنع على الاقتصاد.
وربما يكون وضعنا مع (الإبل) في النهاية مثل وضع أحدهم مع والده المتقاعد.
يقولون إن شاباً فتح الله عليه أبواب الرزق فأثرى، فأراد أن يبرَّ بوالده، وأن يسُدد له دين الأبوة وفاء وعرفانا بفضله عليه، فطلب منه أن (يستريح)، ويتقاعد من عمله، وسيتكفل بكل ما يحتاجه في حياته من الألف إلى الياء. وفعلاً تقاعد الوالد، واستراح من العمل، وجلس في بيته، وفتح مجلسه لأصحابه، والولد البار (يكب عليه كب)، وهو يعيش في رغد من العيش الكريم والراحة والرفاهية. غير أن اكتشاف (الفياجرا) خبص القصة، وأدخل عاملاً إلى الموضوع لم يكن في الحسبان، وقلب بِرَّهُ بوالده إلى تبعات عليه تكبر وتتضخم وتتفاقم مع مرور الوقت ولا يدري ابنه كيف يُعالجها.. استعاد الأب فحولته بسبب الحبة الزرقاء الساحرة، وقرر أن يُعوض في شيخوخته ما عجز عنه في شبابه، فصار مزواجاً، لا ينتهي من زواج، إلا ويخطب ويتزوج من جديد، وإذا وصل إلى أربع زوجات، اختار إحداهن فطلقها ليتزوج مكانها جديدة؛ وهكذا.. وخلال سنوات صار للولد البار من الإخوان والأخوات وزوجات الأب وأمهات الأبناء والبنات المطلقات عدد يربو على العشرين، وصار جُل وقته يلبي احتياجاتهم ومصاريفهم ويحل مشاكلهم التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، والأب (حاط رجله)، والولد البار يدفع، وأرحام زوجات أبيه تدفع، والإخوان والأخوات وأمهاتهم تبلع!.
مشكلتنا مع (البعارين) ستكون مثل مشكلة صاحبنا البار مع والده؛ فدعم أسعار الشعير سيؤدي بنا إلى تكاثر غير طبيعي في أعداد الجمال، التي لن تلتهم الأخضر واليابس والشجيرات الصغيرة وأطناناً من الشعير فحسب، وإنما ستصل أعدادُها حتماً في ظل إعانة أسعار الشعير إلى أرقام غير متوقعة ولا محسوبة، ما يجعلنا في النهاية نصل إلى نقطة حرجة، نضطر عندها مرغمين إلى إيقاف الإعانة. فهل فكرت الحكومة جيداً في هذه التبعات؟.
إلى اللقاء.