) جميل جداً؛ أن نعبر عن مشاعرنا الفياضة، وعن حبنا لوطننا في كل يوم وليلة، وليس فقط في اليوم الوطني وحده. إن الوطن لا يُشترى بالمال، ولكنه يُورث عن الآباء والأجداد، فهو قبل كل شيء آخر. حب الوطن من الإيمان، وهو فضيلة لا تعلوها فضيلة. كان الناس في زمن الجاحظ إذا سافر
أحدهم؛ أخذ معه من تربة أرضه في جراب يتداوى به..!
) استقبلنا هذه المناسبة السعيدة، بكثير من مظاهر الحبور والسرور، ورأينا بأم أعيننا؛ كيف كانت الفرحة تفيض من عيون أطفالنا، الذين نعدهم للمستقبل، بكل اعتداد منا، مرتكزين على عقيدة صحيحة، وتاريخ عريق، وحضارة مجيدة، ومتطلعين إلى ما هو أفضل وأكمل في المستقبل. لقد تعلمنا أن الإسلام ديننا، وأن العربية لغتنا، وأن السعودية وطننا، وهذا ما يجب أن نعلمه لأجيالنا.
) الحب.. الحب.. حب الوطن.. كان هذا هو عنوان الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي في أسبوعنا الفارط، فهل تتوقف علاقتنا بوطننا عند الحب وحده، حتى يأتي يوم وطني جديد..؟
) الذين سبقونا في مرحلة التأسيس والتوحيد في عشرينيات وثلاثينيات القرن الميلادي الفارط، كانوا أكثر صدقاً وقرباً منا في حبهم لهذا الوطن الذي بنوه من لا شيء.
) عندما حقق الملك عبد العزيز - رحمه الله - معجزة الصحراء في توحيد أجزاء البلاد، وتأسيس كيانها العظيم، لم يتوقف عند هذه المرحلة من النجاح، مع أنها معجزة حقيقية لم يُسبق إليها في المنطقة، بل جعل منها منطلقاً لمشروع نهضوي واسع، بدأه بترسيخ الأمن، وثنّاه بتحضير البدو، وتوفير مزية الاستقرار التي تساعد على العمل والبناء.
) جاء التعليم في أولويات النهضة، لأن الإنسان المتعلم؛ هو الذي سوف يقبل بالجديد، ويطور منه ويحدثه، بل هو من يتولى فيما بعد؛ نهضة البلاد في كافة مجالاتها العلمية والاقتصادية والثقافية، وهذا هو الذي حدث بالفعل على أيدي السعوديين أنفسهم؛ بعد أن تخرجوا في مدارس بلادهم، وتلقوا العلوم الحديثة في أرقى دول العالم المتحضر.
) كان المؤسس - رحمه الله -؛ قائداً نهضوياً بامتياز، وذكياً إلى أبعد درجة، تجلى ذلك في طريقة التمرير التي استخدمها لمشروعه الحداثي الواسع، الذي مسّ حياة المواطن السعودي من كافة جوانبها، فاستعانته بمستشارين من كبار قادة الفكر العرب في وقت مبكر من مرحلة التأسيس، ومسارعته إلى ربط علاقات متينة مع دول كبرى إقليمية ودولية، إلى جانب التفاته إلى توفير المال اللازم من عائدات النفط، وحسمه لكثير من الخلافات الفقهية المُعطِّلة والمعرقلة في تلك المرحلة، حول الاستعانة بغير المسلمين، ومستجدات عصرية مثل اللا سلكي والراديو وما شابه ذلك، كل هذا وغيره، وطّد لعلاقة جديدة معمّقة بين الإنسان السعودي ووطنه، فهذا هو الجانب العملي في العلاقة الحبية بين المواطن والوطن.
) نحن ندرك أننا بحمد الله، نسير في هذه البلاد على نهج سليم، وخطى النهضة تحقق نجاحات ممتازة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - رعاه الله -، وحتى نظل على المسار الصحيح نحو الأفضل دائماً، فلا بد أن نكون في مستوى (الحب العملي) الذي يربطنا بهذا الوطن.
) من المهم أن نفهم أنه ليس من الوطنية ما يُمارس من فساد إداري ومالي في قطاعات عدة، وليس من حب الوطن؛ العبث بعقول الناشئة؛ وغرس أفكار متطرفة، تأخذ بهم بعيداً عن مجتمعهم ووطنهم، وتحولهم إلى قنابل موقوتة، بدعاوى حزبية باطلة.
) ليس من الوطنية؛ ما يبدر من بعض الناس من تشكيك وتحريض ضد الوطن وحكومته وأهله، أو تصنيف وانتقاص من هذه الفئة أو تلك.
) ليس من حب الوطن، الاستهتار بالأنظمة والتعليمات أياً كانت، والعبث بالممتلكات العامة والخاصة، والتواكل الشبابي؛ الذي جعل من الوظيفة - حكومية أو خاصة - هدفاً وغاية لكل شاب وشابة، إما أن يحصل على وظيفة؛ أو يجلس في داره عالة على أهله ومجتمعه. من صدق محبة المرء لوطنه؛ أن يسأل نفسه: ماذا أعطى لوطنه، قبل أن يسأل: ماذا أعطاه وطنه؟.
) ليس من حب الوطن، ولا من مصلحته، هذا البطء الواضح في إصلاح التعليم. الوطن يحتاج إلى عقول نيّرة، تبتكر وتبادر وتبني في كل مجال، وليس لجيوش من الخريجين المتربصين بوظائف إدارية في مكاتب مكيفة.
) ليس من الوطنية ولا من حب الوطن، وضع العراقيل في طريق الاستثمارات الوطنية والوافدة بكثير من الأنظمة المعطلة لا المحفزة. البلاد التي لا توطن التقنية والصناعة والزراعة، سوف تظل تأكل وتشرب وتلبس وتتداوى من خارج الحدود.
) مثلما أنه لا يعيش الإنسان بالخبز وحده، فإن إنسان هذه البلاد؛ لا يمكن أن يعيش فقط على الحب.. حب الوطن.. الوطنية تعمل ولا تتكلم، والحب الذي لا يترجم بأفعال حقيقية؛ ليس حُبّاً، ولا حَبّاَ.
H.salmi@al-jazirah.com.saalsalmih@ymail.com