بادئ ذي بدء هناك مقولة شهيرة ذات طابع جدليّ يرددها دائما علماء الاجتماع ألا وهي (هل فساد المجتمع مسئول عنه الفرد أو أن فساد الفرد مسئول عنه المجتمع؟) لا ندري أيها أسبق سواء على سبيل الإيجاب أم السلب.. بعد هذه المقدمة سأنفذ إلى موضوع تضرب أهميته في صلب المجتمعات البشرية وفي مسيرة الأفراد على حد سواء وهذا الموضوع الذي أنا بصدده هو لماذا يعود المجرم ليجرم مرة أخرى بعد أن حُكم عليه بما يستحقه!؟. إن الفرد الذي ينحرف سلوكه في المجتمع ومن ثم يأخذ حقه من العقاب نرى أن المجتمع لا يحاول أن ينسى جرم هذا الشخص أو ينسى ذات الشخص الذي ساء سلوكه، فيبدأ المجتمع يكره ذات الشخص وبدل أن يحتوي المجتمع صاحب السلوك المنحرف فإن المجتمع يضع نصب عينيه الذات المحضة ويكرّس نفسه لكره تلك الذات.. أي أن المجتمع لا يحاول أن يتقبل تلك الذات التي ساء سلوكها لسبب أو لآخر فيبدأ المجتمع يمقت تلك الذات متناسيًّا أنه ربما لم يسوء فعل تلك الذات إلا لظروف ألجأته إلى هذا الجرم أو ذاك. ولكي أقوم بالتدليل على صحة ما ذهبت إليه هو أننا نرى أن أصحاب السلوكيات المنحرفة يعودون مرة أخرى إلى ممارسة الجريمة حتى ولو أخذ بسببها عقاباً! والسبب في ذلك هو أن صاحب السلوك السيئ حينما يرى أن مجتمعه نبذه نبذ النواة فإن صاحب الجريمة السابقة يرى أن زنزانة السجن وظلامه أحب إليه من عين ماقتة مزدرية.. وهذا ما نشاهده مثلاً ممن يتعاطون المخدرات أو السرقة أو أي سلوك سيء. ولكن لو أن المجتمع احتوى هذا المجرم وقدر توبته وباركها لما عاد صاحب السابقة إلى سابقة أخرى.. ولكن ما نشهده اليوم هو أن المجتمع ينظر إلى صاحب السوابق نظرة دونية تقض كاهل صاحب السابقة.. إذاً إن المجتمع والحالة هذه هو المسؤول الأول بتصرفه هذا عن تفشي السلوك السيئ عند الأفراد. ولكن لو أن المجتمع علم أن لكل شخص نوازعه وظروفه التي قد تضطره لفعل ذلك حينها صاحب السلوك السيئ عذر من قبل المجتمع. إنه من هذا المنطلق يجب علينا الفصل بين الذات الإنسانية وبين فعلها السيئ وهذا التصرف والفهم كثيراً ما نشهده في العالم الغربي تلك المجتمعات التي تحتضن أصحاب السوابق ومن ثم لا يعود صاحب السابقة إلى فعله مرة أخرى.. إذًا إن ذوبان صاحب السلوك السيئ وتفاعل المجتمع معه ضرورة أخلاقية وأدبية فضلاً عن كونها دينية. إذاً لن نحد من تلك الممارسات السيئة من قبل أصحابها إلا إذا كان المجتمع يقبل تلكلذات قبولاً يفضي بها إلى التأثير والتأثر، فإذا رأى صاحب السابقة أن مجتمعه عذره وصفح عنه ونسي سوابقه فإنه حريّ بهذا التصرف من المجتمع أن يُصلح الفرد. إن تقدير الذات شيء مهم عند الإنسان أيّ إنسان فتقدير الذات مطلب إنسانيّ أهم من الأكل والشرب.. وبهذه المناسبة سأروي لكم قصة شاب قد أعطيت ذاته أهمية بعد ما كان صاحبها يراها متسولة محطمة وبسبب هذا التقدير أصبح عضوًا ناجحًا في مجتمعه، ودونكم القصة: كان هناك صبيّ يبيع أقلام الرصاص على قارعة الطريق ويرى نفسه أنه شخص متسول لا يعبأ الناس به فذات يوم مرّ به رجل أعمال كبير جاء ليشتري من هذا الصبي بعض الأقلام فقال رجل الأعمال الكبير لهذا الصبيّ الذي يزدري نفسه (إنك رجل أعمال مثليّ ولديك بضاعة تبيعها بأسعار مناسبة) فلما سمع هذا الصبي الممزق الذات هذا القول المشجع من رجل الأعمال الكبير ارتفعت معنوياته فشق طريقه في دنيا الأعمال حتى أصبح من مشاهير رجال الأعمال في ذلك البلد هذه هي نتاج تقدير الذات.. هكذا يصل بعض الناس إلى أبعد مما ظنوا بأنفسهم بسبب تقدير الذات من قبل الغير. إذًا إن رفض الذات الإنسانية من بني جنسها لمنذر بعواقب وخيمة. إذا إن إحساس المرء بسلامة سلوكه وتشجيعه من قبل المجتمع يزيد من عطائه وينقله من حيز الضياع إلى حيز العطاء. فإذا رأى صاحب السلوك السيئ نفسه منبوذة اجتماعيًا هانت عليه نفسه ورخصت أمام الآخرين.. إذًا لن تنشأ الذات الإنسانية إلا في وسط ظروف اجتماعية تتأثر وتؤثّر. إذا بات على المجتمع أن يتيح لصاحب السلوك السيئ الفرصة لكي ينخرط في بيئة الأسوياء عبر تقدير للذات وأن ما حصل منه قد يحصل لغيره لو عاش مثل ما عاش من ظروف.. وما دمت بصدد هذا الموضوع المهم والذي يتكلم عن الذات البشرية من حيث الاستقامة على الحق أو إتباع الباطل أحب أن أذكر آيتين من كتاب الله تعالى يتبين عبرهما أن الله أعطى البشر صفة الاختيار، أي أنه جعلنا نختار أفعالنا من شاء استقام ومن شاء ضل قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }الشمس 8 وقال كذلك: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } الإنسان 3 ما أستطيع فهمه من هاتين الآيتين هو أن الإنسان يستطيع أن يعيش في بيئة الحق كما يستطيع أن يعيش في بيئة الباطل اختيارًا .. فإذا ما عاش الإنسان في بيئة الحق ومعه من يشاكله فإن السلوك المنبثق من هذا الشخص هو سلوك حسن والعكس صحي.. إذًا يجب على المجتمع أن يحتوي صاحب السلوك المنحرف حتى يعود إلى جادة الصواب، ولكن إذا تركناه وشأنه فربما أن أقرانه يجذبونه إلى بيئتهم الفاسدة مرة أخرى!!..باختصار يجب علينا أن نفرق بين الذات وفعلها السيئ حتى نحتوي صاحب السلوك السيئ احتواءِ يخرجه من دائرة الضياع ومزاولة الجريمة.