يقول الأستاذ عباس العقاد إن الموت نفسه لا صعوبة فيه، غير أن صعوبته تكمن في أننا نفقد عزيزاً لدينا قد تتغير معه تبعاً لذلك حياتنا شيئا ما، وهو تغيُّر قسري لا دخل لنا فيه ولا اختيار، لكنه مستمد من الحقيقة الوحيدة في حياتنا.
أما إبراهيم عبد القادر المازني فقد ناقش حقيقة الموت من زاوية أخرى هي الملكية مَنْ يملك مَنْ؟ هل نحن نملك الأرض التي نمشي ونعيش عليها.. أم هي التي تملكنا فهي أمنا على أية حال؟.. أو نحن هشيم مثلنا مثل الشجر وأوراقه التي تتحلل في التراب، وكذلك جذور الشجر نفسه التي تتغلغل في التراب وتضرب فيه إلى أعماق سحيقة مؤكدة ذاتها كما نؤكد ذواتنا نحن على الأديم!!!
وحينما يموت الإنسان الذي ظل ويظل طوال عمره يبني على هذا الأديم القصور والحدائق والعمارات وناطحات السحاب يفقد ذلك كله، فتمتلكه الأرض يعود إلى أمه، إلى أصل خليقته، فأبوه آدم الذي خلقه الله عز وجل من تراب.. وهكذا تتحقق سنّة الله في خلقه عودة الإنسان إلى أمه الأرض، في حين أنه لا يعود طفلاً رضيعاً إلى رحم أمه التي حملته وهناً على وهنٍ، ثم وضعته وليداً فأرضعته فكبر وكبر حتى شب عن الطوق... إلخ.
إنها عودة الطبيعة إلى الطبيعة، عودة التراب إلى التراب أو حنين التراب إلى بعضه، كما قال الشاعر الذي أحس بدنو أجله:
حنت إلى عبق التراب جوانحي
لا غرو يشتاق التراب تراب
انثالت على خاطري هذه الأفكار، وأنا أحضر دفن أخي عبد الكريم بن عبد الله القين الذي انتقل إلى رحمة الله يوم الاثنين الثالث من شهر ذي القعدة - 1434هـ بالرياض، وقد كنت زرته في شهر شعبان حينما سمعت عن مرضه في المستشفى فارتاحت نفسي لذلك، لأنه كان اللقاء الأخير وعدت إلى جدة وأنا اتصل بأبنائه بين الحين والآخر أسأل عنه.
وواصلت الدعاء له متذكراً مواقفه معي أنا وأخي عبد المنعم - يرحمه الله - حينما كنا في الصف الثاني الابتدائي، وانتهزنا فرصة جمع التبرعات لشهداء ثورة الجزائر عام 1956م، فاعتذرنا عن إكمال اليوم الدراسي بالمدرسة الوزيرية بجدة، فسمح لنا مدير المدرسة بالخروج، لكننا وجدنا أخي عبد الكريم - يرحمه الله - لنا بالمرصاد ومعنا الأخ خالد محمد الصالح الخريجي، فأعادنا إلى المدرسة ونلنا عقابنا.
وكثرة هي المواقف معه، ولكن ما أسلفت من أهمها لأنه يتعلق بالتربية ومستقبلنا، فالله يرحمك يا أخي عبد الكريم ويجعل الجنة مثواك ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة وينقلك من ضيق اللحود ومراتع الدود إلى سدر مخضود وطلح منضود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عبد المؤمن عبد الله القين