كفيلي خارج سور المزرعة، هكذا أجابني العامل الآسيوي عندما سألته عن صديقي.. ولكن ما الذي يفعله أخونا المزارع الهاوي هناك.. هل من عمل آخر غير ما يقوم به بعض الملاّك من محاولة لزحزحة حدود ممتلكاتهم في ساعة مغيب الشمس ومغيب الرقيب؟.. أعرف أن صديقي ليس من هذه الفئة ولا يؤمن بأساليبها.
رأى الفقير إلى ربه أن مشقة اللحاق بالصديق أرحم من عناء الانتظار.. وبدأت الدهشة فقد وجدته (وهو معروف أيضاً بأنه صديق البيئة) يقوم بإجراء تجارب على زراعة نوع من الأشجار الصحراوية وبطرق ري إبداعية واقتصادية في الصحراء المجاورة لمزرعته.
وباختصار فإن التجربة تقوم على محاولة اختبار نجاح زراعة شجيرات قليلة الاستهلاك للمياه في الصحراء، وباستخدام طرق ري اقتصادية جداً ومواد أولية كخزانات للمياه أثناء فترة الحضانة والنمو الأولى وبجهود محدودة. سألني لماذا الدهشة؟.. أجبته بأن تفرُّغ الإنسان للتجربة والإبداع وتقديم المصالح العامة على المصلحة الشخصية أمر ملفت للنظر ومثير للدهشة في هذا الزمن وفي ذات المجتمع.
ولكن ما الذي تعمله؟.. أجاب أنه يعمل على إجراء تجربة ستساعد نتائجها على تحقيق عدة أهداف، بقيت في ذاكرتي منها ما يلي:
1 - استزراع الصحراء وزيادة الرقعة الخضراء.
2 - التقليل من الملوثات البيئية، وذلك بإعادة استخدام علب مياه الشرب البلاستيكية الفارغة وأكياس الشعير المرميه كأدوات وخزانات للري.
3 - استخدام ما أسماه بالسقيا الشعرية التي تقوم على اقتصادية الري.
4 - المحافظة على المياه والحد من الفاقد في المشاريع الزراعية.
5 - زيادة الوعي البيئي من قِبل الرحالة وهواة النزه البرية ومساهمتهم بزيادة المسطحات الخضراء بأقل جهد وأدنى تكلفة.
6 - سهولة التجربة ومحدودية الجهود المطلوبة وقدرة غير المختصين للقيام بها.
7 - ...... إلخ
لم تنته فوائد التجربة الرائدة عند هذا الحد، فقد تأكد لي وبعد تجربتي الشخصية أن طريقته في السقيا يمكن استخدامها في سقيا الشجيرات المنزلية، وبقاؤها على قيد الحياة لمدة 45 يوماً على الأقل (أي أثناء بقاء الأسرة خارج المنزل) دون الحاجة إلى دخول المزارع إلى المنزل للسقيا.
لقد أدركت، وأنا أستمتع بشرح أخي صالح السديري لتجربته أن لي صديقاً ليس وطنياً فقط، فكلنا ولله الحمد مواطنون، ولكنه مبدع في مجتمع قلَّ فيه المبدعون.
الإبداع هدف وقيمة
وللأمانه فلم أكن أقصد من سرد هذه الرواية تقييم فاعلية التجربة من عدمها، وإن كان ذلك مهماً، لكنني أردت التذكير بموضوع أعم وأشمل من ذلك، وهو أهمية تشجيع الإبداع والمبدعين وتبني مبادراتهم وإبداعاتهم - من قِبل الجهات المختصة - وعدم إغفالها مهما كان حجمها.
لقد أثبتت الأحداث أن الاقتصاديات الحديثة وبرامج التنمية العصرية ترتكز أولاً وآخِراً على الإبداع والتجديد والتحديث.
ومن أراد الوقوف على شيء من ذلك، فليراجع برامج التنمية في سينغافورة وكوريا واليابان وألمانيا وسيلكون فالي ودبي وملبورن وفانكوفر وغيرها.
بقيت نقطة أخيرة، وهي أنني أتمنى من الوزير المحبوب د. فهد بالغنيم التوجيه بالوقوف على هذه التجربة، فإن كان فيها قيمة مضافة فذلك ما كنا نبغي، وإن لم يكن فعلى الأقل تساهم الوزارة في تشجيع الإبداع.
والله من وراء القصد.
@falsultan11