لم يعد خافياً أن الأمريكيين والإيرانيين يعملون وفي العلن هذه المرة على تنشيط العلاقات الدبلوماسية ما بينهم، لمعالجة الكثير من القضايا العالقة والتي تراكمت على مدى أكثر من أربعة عقود.
هذه المرة الرغبة موجودة لدى الطرفين، إلا أن مساحة التحرك تختلف لدى كل طرف، فالرئيس الأمريكي أوباما الذي يتبنى الدبلوماسية للتفاهم مع إيران لا يجد معارضة تُذكر من أطراف مناوئة لحكام إيران من الملالي والذين يصنفونهم في واشنطن بأنهم من المتشددين، وهم كثر، فبالإضافة إلى مؤدي إسرائيل والجمهوريين الجدد، هناك من لا يثق بملالي إيران، ومع هذه فإن أوباما متسلحاً بسعيه تجنيب الأمريكيين حروباً جديدة بعد أن أثقل كاهلهم بوش الابن وحمَّلهم أعباء مالية لا تزال تضرب أطنابها في أزمة مالية مستمرة، ولهذا فإنه يحظى بتأييد شعبي ونصيب وافر في أوساط الكونجرس بدعم سياسة الدبلوماسية.
في الجانب الآخر، وعلى رغم أن الرئيس الجديد حسن روحاني قد حصل على موافقة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامئني على فتح القنوات الدبلوماسية مع واشنطن لمعالجة المشكلات التي تحاصر إيران، ومن أهمها الوضع الاقتصادي المتأزم بسبب الحصار المفروض على إيران، والعزلة السياسية بسبب البرنامج النووي والسلوك الإيراني المثير للريبة والداعم للإرهاب، فإن روحاني يسعى إلى فك الحصار وإذابة العزلة السياسية بلقاء رأس الهرم القيادة الأمريكية التي وفي نظر الإيرانيين هي من تقود كل معارك العزلة والحصار، وأن التفاهم مع الأمريكيين سيريح الإيرانيين.
هذا التحرك الذي يقوده روحاني يصطدم بتيار إيراني معارض لا يُستهان به، ومن أهم مكوناته الحرس الثوري القوة العسكرية الضاربة والتي لا يمكن تجاهلها، يساندها في ذلك عتاة المحافظين من الذين يعتبرون الاقتراب من «الشيطان الأكبر» رجساً من الشيطان، والشيطان الأكبر طبعاً في مفهوم هؤلاء هو أمريكا، ولذلك فإن الأوساط الإيرانية القريبة من الرئيس حسن روحاني التي رافق بعضها الرئيس في وجوده بمبنى الأمم المتحدة يرون أن الوقت الحالي غير مواتٍ للقاء الرئيس أوباما بالرئيس روحاني، إذ لم تنضج بعد الأوضاع التي تجعل من هذا اللقاء مقبولاً داخل إيران، وهو ما يحتاج إلى عمل من قبل خامنئي وروحاني معاً لتبديد مخاوف المتشددين من قادة الحرس الثوري وبعض «الآيات»، ولهذا فإن روحاني، ولمنع حصول أي إحراج بلقاء عارض مع الرئيس أوباما، لم يحضر حفل الغداء الذي يجمع قادة الدول الذين يحضرون افتتاح اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما لم يحضر إلى قاعة الجمعية العامة أثناء إلقاء خطاب أوباما حتى لا يعطي أي مبرر أو فرصة للمعترضين على التعامل الدبلوماسي الهادئ مع أمريكا الذي يبدو أن كلاً من طهران وواشنطن تؤمنان به.
jaser@al-jazirah.com.sa