يبدو أن تصريحات كبار المسؤولين أصبحت تبحث عن الأضواء، أو ربما هي الأضواء التي تبحث عنها؛ فلم يعد مهماً أن يعترف أحد هؤلاء بفشله، ولم يعد يبحث عن الالتفاف والإجابات الدبلوماسية، وكأن لسان حالهم يؤكد (خير يا طير، هذا هو الواقع، فماذا تريدون أن أفعل لكم)؟
هكذا أعلنها بكل صراحة ووضوح وزير الزراعة، الذي يقف على رأس وزارة ميزانيتها شارفت العشرين ملياراً، بأننا «لم نحقق الاكتفاء الذاتي إلا في البيض!».. أي أننا نحن المواطنين نسمع بحكاية خيالية جميلة من حكايات ألف ليلة وليلة، اسمها «الأمن الغذائي»، بمعنى أن الأمن الغذائي هو حكاية سحرية، أو نكتة لا تدعو إلى الضحك!
فهل يعقل يا معالي الوزير أننا لم نحقق شيئاً، حتى الدواجن التي نستثمر فيها منذ نصف قرن لم نستطع الاكتفاء الذاتي منها، وما توفره الأسواق من الدواجن لا يتجاوز 42 في المائة فقط مما هو في السوق؟ وأكثر من نصف المتاح للبيع هو من دجاج فرنسا والبرازيل و... إلى آخره؟
ماذا تفعل هذه الوزارة منذ عام 1344 حينما كانت مديرية عامة؟ وماذا فعلت حينما أصبحت وزارة عام 1373، أي قبل ستين عامًا؟ أي خطط خمسية تم تنفيذها؟ وأي استراتيجيات تسير وفقها؟ أليس من بين أهم أهدافها تنمية الإنتاج الزراعي وتنويعه؟ وتنمية الثروة الحيوانية؟ فهل يعقل أنها رغم هذا العمر الطويل الذي بلغ التسعين عاماً لم تحقق سوى الاكتفاء الذاتي من البيض؟ وهل يشعر بالرضا ذلك الوزير الذي عاش عشرة أعوام في أروقة الوزارة وهو يصرح بذلك؟ أي مستقبل لهذه البلاد وهي تعاني خللاً في الأمن الغذائي والمائي؟
نحن نعرف أن أعمارنا قصيرة، وندرك أننا نسير بالبركة، ودونما تخطيط، لكننا حين نفكر بالأجيال القادمة، وبما تحظى به هذه البلاد من اتساع وتطور، وازدياد النمو السكاني فيها، دون أن يقابل ذلك أي نجاح في أهم عناصر الحياة والبقاء، وهو الغذاء، فالبلاد التي عرفت الزراعة منذ قرون، قبل تفجر آبار النفط، والثروات الهائلة، حري بها أن تصبح بلداً زراعياً متطوراً، وتحقق اكتفاءً ذاتياً في كثير من متطلبات العيش، الزراعية والحيوانية، لا أن تحتفل بالاكتفاء من أطباق البيض!
وحين يشعر المرء بالإحباط يجد في النكتة ملاذاً وعزاء، فأحد الظرفاء علق في تويتر أنه لا فخر للسعوديين بالاكتفاء من البيض، فقد اكتسحنا العالم بحسابات تويتر الوهمية، التي تحمل بيضاً بدلاً من صور أصحابها، أي أننا حققنا اكتفاء ذاتياً في العالم الافتراضي قبل الواقعي، فمبروك علينا جميعاً هذا الزخم البيضي العظيم!