كان أحد الزملاء المتخصصين في علم النفس يردد دوماً بأن المعضلة الحقيقية في المجتمع السعودي تتركز في حقيقة أن معظم الناس يعيش بشخصيتين مختلفتين، أو أكثر، وكان صاحبنا يتحدث كثيراً عن أصحاب الشخصيات المزدوجة، أي الشخص الذي يظهر بقناع مناسب للمحفل المناسب، وهم يفعلون هذا طلباً للسلامة، في مجتمع يقسو في أحكامه على من شذ عن الثقافة السائدة، حتى ولو كان هذا الاختلاف لا يمس العقيدة، ولا حتى المسلمات الاجتماعية، فيكفي أن يكون رأياً جديداً في مسألة مختلف عليها، وبعضهم يفعل ذلك للارتزاق وحسب، ومنهم ثلة من الإعلاميين، والذين أصبح البحث عن الهتاف والتصفيق هو المحرك الرئيس لأطروحاتهم، والغريب أن هذه الحيلة البائسة للتنكر أصبحت أمراً عادياً، بل إنها صارت هي السائد، وما سواها هو الشذوذ عن القاعدة!.
حينما تكتب أطروحات، تصنف على أنها جريئة، يتفق معك بعض المحبين. هذا، ولكن اتفاقهم معك يذكرك بتعامل البيض مع مواطنيهم السود، إبان سياسة الفصل العنصري في الولايات المتحدة، فالمواطن الأبيض حينها كان يطرب للمهارات التي يتحلى بها السود في مجال الغناء، وكان يدعوهم إلى مناسباته، ولكن هذا يتم حسب المقولة الشائعة، والشهيرة في ذلك الزمان: «أحب ما تقوم به، ولكن لا تقترب مني كثيراً!»، فقد كان المطرب الأسود يحيي الليالي الملاح لمواطنيه البيض، ولكنه لا يسمح له بالجلوس معهم على طاولة واحدة !. وبالمثل، فبعض أحبتنا هنا يطرب لما يكتب بعض الكتاب، ولكنه لا يود أن يعرف أحد عن ذلك!، كما لا يمكن أن يعلن عن مشاعره هذه في أي محفل، وذلك ببساطة لأنه يستمرئ «الازدواجية»، فيبين وجهاً لهذه الفئة، ووجهاً آخر لتلك الفئة، وربما وجوه أخرى حسب ما يقتضيه المقام.
ربما يصلح هذا كمقدمة في سياق الحديث عن حوار شيق دار في تويتر، بين المؤرخ الصحفي الأستاذ محمد السيف، مؤلف سيرة الوزير النبيل، وطيب الذكر عبدالله الطريقي، وزير النفط الأسبق يرحمه الله، وبين الدكتور زياد الدريس، ممثل المملكة في اليونسكو، والكاتب الصحفي، فقد أخرج المؤرخ السيف مقالاً قديماً للدريس، تم نشره في ثمانينيات القرن الماضي، ويبدو أن هذا لم يرق للدريس، والذي اتهم السيف بأنه يصفي حساباته معه!، وأنه مدفوع من جهات أخرى!، وقد استمر الجدل، ولا يزال، ويبدو لي كمتابع، أن الكاتب، أي كاتب لا يفترض أن يخجل من ماضيه، خصوصاً إذا كان ليس لديه ما يخفيه، ولذا فقد استغرب الجميع ردة فعل الدريس، والتي بدت كما لو أن السيف - لا سمح الله - نبش «فضيحة» لا يعلم عنها أحد، والواقع هو أن كل ما فعله السيف هو تذكير المتابعين بمقال قديم، لكاتب معروف!.
شخصياً لا أمانع، فيما لو نشر السيف، أو غيره مقالاً قديماً لي، حتى ولو كان هذا المقال لا يمثل توجهاتي الحالية، فهو يظل جزءاً من تاريخي، ومن منا لا يتغير، ويبدل مواقفه حسب تطورات، وتقلبات الأحداث، كما أظن أن معظم الزملاء سيفعلون الشيء ذاته، ولذا يظل احتقان الدريس أمراً غير مفهوم، إلا إذا نظرنا إلى الأمر بمعيار «الازدواجية»، أي رغبة البعض في الظهور بأقنعة متعددة تناسب الفئة المستهدفة، في الأزمنة المناسبة، وتخدم الطموحات الشخصية، وأرجو ألا يكون الأمر كذلك.
وختاماً، تظل مثل هذه المعارك تخدم الحراك الثقافي، ولذا نطمح إلى مزيد منها في قادم الأيام، مع الاحترام، والتقدير للزميلين: السيف، والدريس.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2