* الذباب بدْءاً حشرة (مفرّغة) من الإحساس، (مشحونة) بذكاء الفطرة يمكّنها من ممارسة الكرّ والفرّ أمام عدوها الإنسان، أملاً في أن يمتد (أجلها) يوماً أو أياماً طلباً للعيش وفي الوقت نفسه (الرغبة) في إيذاء الإنسان، وكأنها (سفير إبليس) لدى الخلق!
* ولي مع الذباب مواقف تستحق أن تُروى تدبُّراً وعبرة. وكأن بيني وبينه عداءً مقيماً ما حييت يتمرد وصفه على أهل البيان، وقد تعلمت عنه (لا منه) عبر (حرب استنزاف) طويلة، العديدَ من الخِصَال وأساليب المراوغة والمكر والخديعة ما قد يعجزُ عنه بعضُنا نحن البشرَ!
* فهو (مقاتل ذكي) يجيد فنَّ الأذى لمنْ يستهدفهم بشرّه!
* وهو جيدٌ في (تدبير) أساليب المكر والخديعة ضد خصمه قبل أن يلوذ بالفرار هروباً من غضب ذلك الخصْم! لكنه يعود من جديد إلى (التحليق) في فضائه أملاً في النيل منه انتقاماً!
* وهو جسور جداً في (انتقاء) مواقع الإيذاءِ في جَسدِ خصمه، لا يعبأ في ذلك أن يكون المستهدف بالأذى أحدَ علية القوم أو أدناهم، فتارةً يحطُّ (رحالَه) على جبينه أو إحدَى عينيه، وأخرى يتطفّل على أنفه أو شنبه أو حتى شفته، وهو الأسوأُ والأكثرُ إيلاماً وإيذاءً! وثالثة يمنح نفسَه (حريةَ التجوال) فوق نظّارة ضعيفِ البصر أمثالي، تحدَّياً منه وتأكيداً لقدرته على الاستفزاز، ثم لا يكتفي بذلك فحسب، بل قد يقرنُ هجومَه العنيدَ بـ(طنين) مزعج لينضم السمعُ وغيرُه من الحواس إلى فتنة الأذى!
* وأخيراً.. إنْ صدق من قال إن للقط (سبعة أرواح)، فإن للذباب ضعف ذلك، ما لم تكن لدى خصمه واحدة من (أسلحة الدمار الشامل) التي تأتي عليه بالضربة القاضية! أمّا اللجوء إلى (بخاخِ) مبيدٍ فغير كافٍ لمكافحة فتن هذا (الطائر الخبيث)، لأنه سرعان ما يستردُّ قواه بعد لحظات ليعودَ من جديد إلى ممارسة خبثه بعزم وإصرار!
* والأنكى من ذلك والأذلّ أن يكون الخصمُ والضحيةُ معاً لهذا (المخلوق العنيد) يتناولُ وجبةَ غِذاء، إذْ يتعمد أن يشنَّ غاراتِه على أوعية الطعام حتى ولو لم يكن مكشوفاً، فيفسد (كرامة) الغذاء الذي مسَّه ويعَّطل بذلك رغبةَ متناوله فيه!
وبعد..،
* فهذا هو الذباب، بكل ما ترمز إليه هذه المفردة من معانٍ رديئة، وأزعم أنه أسوأُ أذىً وأنْكأُ إيلاماًً مما وصَفتْه السطورُ السابقة. مشيراً إلى أن ملاحمَ أذاه التي عانيتُ منها طويلاً قد أوجدت عندي نوعاً من (فوبيا) الضيق كلَّما حلَّ في المكان الذي أنا به، فيغْشَاني شيءٌ من قلق وشيءٌ من عجزِ عن مقاومتِه، وإقصاءِ أذاه!
* وإن أعجب لشيء من أمر هذه الحشرة العجيبة، فهو أنها تمارس عدوانيتَها بروح قتالية بل وانتحارية أحياناً قد تعجَّلُ بموتها على يد خصمها، حين (تُسِيءُ التقديَر) فتَتَربصُ بخصمها في مكان مكشوف إمْعانا في إيذَائِه، فيدع صاحبُنا كلَّ ما يشغله ويتجه إليها بكلَّ حواسه، أمَلاً في إنْهاءِ وجُودِها، وهي شبه مستسلمة، ويخامره عندئذ ما يشبه (زهو الانتصار) على عدو مبين!
* وصدق الله العظيم بقوله الكريم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ صدق الله العظيم، الآية (73) في سورة (الحج).