الإحساس بالخوف نتيجة لعدم الشعور بالأمن.. الشعور بالأمن إما تصوراً داخلياً، أو أماناً يحيط بالشخص وهدوءاً واطمئناناً يحقق له الأمن ويطرد عنه الخوف.. الخائف بمجرد إحساسه بالخوف يلقي حضنه على القريب منه، والدته أبيه، أخته أخيه، صديقه أو أي قريب له.. بعض الالتصاق أو شيء من التّلامس بين البشر يمنح الشعور بالأمن، وبالتالي يطرد الخوف..
لكن هل يتم طرد الخوف طرداً نهائياً!؟ الذي أعرفه أن المُبتلى بداء الخوف «وأسميه داء لأنه مرض وعلة» يحتاج المُبتلى به مؤثرات خارجية ومؤثرات داخلية حتى يستطيع الخروج من شرنقة ذلك البلاء والداء والعلة.. والمؤثرات الداخلية أهم؛ ذلك لأن بعض الخوف تصور ذهني أو تراكمات نفسية وحياتية عاشها الفرد نتجت عن مصائب وفجائع وسوء معاملة وعنف إما أسرياً أو مجتمعياً، أو الذي نراه في دول العنف والاضطهاد والتعذيب لشعبها، كالذي يحدث في سوريا رفعَ الله عنها وشلَّ أذرع الطغاة فيها والجبابرة.
الخوف: انفعالٌ في النفس يَحدُثُ لتوقُّع ما يرد من المكروه أو يفوت من المحبوب.. والخوف في علم النفس: سلوك يتميز بصبغة انفعالية غير سارّة، تصحبه ردود فعل حركية مختلفة، نتيجة توقع مكروه، فهو انفعال يحدث في النفس لتوقع مكروه أو أذى.. ويقولون: خوَّف فلانًا أخافه، جعله يخاف، فزّعه، أرهبه كالذي يحدث من بعض الأصحاب تجاه أصحابهم بقصد اللعب والتسلية، أو يأتي بنية التأديب وإنزال الرعب في الصدر، قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ .
كان الخوف مادة اشتغال علماء النفس لما للخوف من دور في عرقلة مسيرة الإنسان وفي تعتيم صورته عن نفسه، وبالتالي ظهورها أمام نفسه خلاف ما هي عليه من قدرات وإمكانات ومواهب.. ذهب علماء النفس إلى أن الخوف الذي يُسمى في مصطلح علم النفس المرضي بالفوبيا أو الرهاب هو أحد أنواع الأمراض النفسية العصابية، وهي تتميز بما يسود صاحبها من خوف مرض شبيه بالرعب ليس له أي مبرر واقعي أو منطقي، والخوف ورد له أكثر من 23 نوعاً، مثل الخوف من المرتفعات، والخوف من الخلاء، والخوف من القطط، والخوف من الزهور، والخوف من الناس.......إلخ.. وتعود أسباب الخوف إلى عدة أمور منها:
1 - الخوف الوهمي: وهو الخوف من الظلام لارتباطه بالجن واللصوص.
2 - كذلك قد ينتقل الخوف بالعدوى والحديث عن الأمور المخيفة.
3 - الأشياء المفاجِئة وشدة المثير وإحداث صوت قوي، أو الإتيان بأمرٍ جديد ومفاجئ يجعل الشخص يشعر بالخوف.
4 - كذلك قد يعود الخوف بأسبابه إلى الخبر غير السار الذي يتلقاه الشخص ويبقى عالقاً في ذهنه.. أما فيما يخص العلاج «حسب الطب النفسي» فيختلف باختلاف أسباب الخوف وأنواعه، لكن تبقى هناك بعض الإرشادات العلاجية العامة الصالحة لمعظم حالات الخوف المتنوعة:
1 - أن يكون إيمانك ويقينك بالله تعالى قوياً، وتعرف أن كل شيء مقدّرٌ من الله تعالى، فلماذا الخوف والجزع؟
2 - يمكن أن يتم العلاج بواسطة المعالج النفسي، وذلك بعمل تحليل واستحضار الخبرات المؤلمة التي تسبب الخوف.
3 - في حالة الخوف من الحيوانات الأليفة، يمكن تقريب الأشياء المخيفة من الشخص تدريجياً؛ لنزع الصورة الوهمية واستبدالها بالصورة الحقيقية، حيث إننا عندما نخاف من الحيوان ونستمر في الابتعاد عنه والحذر منه يستمر الخوف معنا، فإذا حاولنا الاقتراب منه تدريجياً ومحاولة التعامل معه، تناقص خوفنا منه حتى تلاشى الخوف وتبخر.. لكن ليس كل أنواع الخوف نستطيع التعامل معها بالمثل، حيث لكل خوف أو مستوى خوف ونوعية آلية تعامل وطريقة تختلف.. ولأن الخوف مرض نتيجته كساد في النفس وفي الروح وفي العطاء والاستقرار كان لا بد من الأمن.
الأمن المسئولية الجماعية وليست مسئولية فردية، ذلك لأن الأمن هو إحساس الفرد والأفراد والجماعات التي يتشكّل منها المجتمع بشعور الطمأنينة والأمان مما يحفزهم على العمل ويوفر لهم مناخ الاستقرار اللازم لاستمرار التنمية والإنتاج والتقدم، ليس من الشخص وحده لصالح نفسه فقط.. وإنما لأجل نفسه وأسرته ومجتمعه.. فهل نعمل وتعمل المؤسسات والدول على كنس الخوف كنساً صحيحاً وإحلال الأمن والأمان محله، في حال كانت تطمع في خير الفرد والجماعات.. الخير الذي يأتي منهم ويعود إليها!؟ نتمنى.
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443Twitter: @HudALMoajil