مع الشكر والامتنان لجميع العاملين بأقسام علاج العيون بمستشفياتنا، وكل التقدير لجهودهم في خدمة المرضى فإن ما سيرد في الأسطر التالية من مواقف ترسم ملامح الابتسامات أو تصف إحراجاً وقع فيه أحد المنوَّمين أو المراجعين، لا دخل للأطباء والموظفين وجميع العاملين بهذه المواقف، فهي من المرضى وإليهم بسبب عوارض صحية تعتري أعينهم، ثم عدم التعود على بعض الترتيبات الخاصة بهم في غرف التنويم والأقسام، أو عدم التقيّد بالتعليمات، وأحياناً بسبب الغفلة والطيبة من البعض حينما يتصرف وكأنه في بيته، وينسى أنه في ضيافة المستشفى وغالباً يشاركه مريض آخر في الغرفة ذاتها، فمثلاً لا يمكن أن نلوم أحداً فيما حدث لمريض يعاني من كلتا عينيه حينما طلب من أحد موظفي العناية بالغرف أن يحضر له سرواله من الدولاب، فناوله إياه دون أن يتكلم، فطلب منه المساعدة في لبسه خشية أن يقع على الأرض، لكن الموظف اعتذر له بقوله: (عفواً سيدي دعني أطلب لك رجلاً يساعدك)، وكانت رئيسة الممرضات بالجناح.
وسأعيد ذكر ما حدث مني ذات مرة حينما كنت أسمع الممرضين يكررون أن البروفيسور فلان قادم لفحص عيني ثم انصرفوا وتركوني لبضع دقائق بعيادة الطبيب منفرداً، فدخل شخص بهدوء وحرك بعض الأشياء فوقفت له احتراماً وأنا أقول: مرحباً بروفيسور، فرد بأدب: أنا أُنظف الغرفة خذ مقعدك!! وكررتها الشهر الماضي حينما كانت إحدى العاملات تفرغ أشياء من إحدى خزانات الغرفة التي كنت منوَّماً بها، فبادرتها لتنبيهها للخطأ متذاكياً بقولي: لا أنوي الرحيل الآن؟ قالت: هذه الخزانة رقم ثلاثة وأنت واحد، وكانت المسافة بينهما حوالي مترين!!
لكن موقفي هذا أرحم من موقف شاب مصاب العين كان منوَّماً بالغرفة المجاورة مع شيخ مسن لا يملك إلا بصيص من نور ولا يفتر لسانه عن التسبيح والتهليل كثير الصلاة، وحين غفوة الشيخ دخل الشاب دورة المياه ولم يقفل الباب على اعتبار أنه نائم وأن الموضوع لن يطول، لكنه تفاجأ بالشيخ يدلف إلى الحمام ويقفل الباب ويتوجه إلى كرسي المرحاض بسرعة تدل على حاجة ملحة، فانزوى جانباً إلى حين مرور الأزمة، وأوضح لاحقاً أنه تحاشى النظر إليه لكنه عجز عن حجب (الصدى).. هذا الشاب لم يكن أقل حرجاً من شاب آخر يعاني من كلتا عينيه كان يقيم بمفرده بالغرفة وتلقى تعليمات أنه من المستحسن أن يستحمّ قبل العملية محددة الوقت، لكنه فيما يبدو لم يضبط الموعد فدخل الحمام بعد أن خلع كل ملابسه بالغرفة، وبعد الانتهاء خرج وهو يترنم بلحن طروب بعد الانتعاش، لكنه فوجئ بمن يقولون له من داخل الغرفة: هل نساعدك في لبس الثوب الطبي؟ وكانوا فريق قسم العمليات ليأخذوه إلى هناك بالموعد!!
ولن أسهب في شرح وتفاصيل ما حدث بين شيخ مسن كان حظه تعيساً أن نوّم بجوار سرير شاب مريض، غير أنه (كما نقل لي) غوغائي نزق لا يقدّر المكان ولا ظروف الحالة، جعل الرجل المسن يعيش مرضين في غرفة واحدة بسبب الفوضى والإزعاج والإصرار على رفع صوت التلفزيون وكثرة محادثاته الهاتفية المقززة للشيخ صوتاً ومضموناً، إلى أن أبعد.
t@alialkhuzaimIbrturkia@gmail.com