ننتظر على أحرّ من الجمر خصخصة الخطوط السعودية، وإن كنتُ أميل إلى الرأي الاقتصادي القائل: إن الخصخصة لم تنجح في الدول العربية بسبب تضخم حجم الفساد.
ومعنى خصخصة الخطوط السعودية تغيير خططها بالكامل، وذلك يتم بتغيير نمط التفكير القائم حاليًا، الذي أوصلها إلى تكبُّد مديونية لهيئة الطيران المدني تصل إلى 11 مليار ريال. وهذه المديونية - وبكل صراحة - لافتة للنظر، وقيمتها ليست بالهيّنة، ولو كان لدينا نظام محاسبة في مجلس الشورى وصلاحيات أوسع مما هو عليه لكان الأولى هو استدعاء رئيس الخطوط السعودية ومساءلته عن هذه الكارثة!
الأمر الآخر في قضية الخصخصة: لننظر مثلاً إلى القطاعات الأخرى داخل الخطوط السعودية، نجد أن بعضها قد أخذ مكانه في التحوُّل من القطاع العام إلى الخاص، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي سنستفيده إن تمت خصخصة هذه القطاعات، وتُركت الإدارة نفسها، وبالشكل نفسه في مرحلة ما قبل الخصخصة؟ ما الجديد الذي سيتم تقديمه من بعض الأسماء التي أوصلت الخطوط السعودية إلى حالة، أقرب وصف لها هو «كوارثية»، ومع ذلك ما زلنا متمسكين بهذه الأسماء في كل مراحل حياتنا؟ وإن كنا نشهد كارثة تلو الأخرى في هذا القطاع، تستدعي مسؤولاً لديه نوع من الخجل من ربه ونفسه والناس، وتسجيل موقف، على الأقل أن يتقدم هو بنفسه بالاستقالة بدلاً من أن تتم إقالته، لكن كما يقول المثل الشعبي: (عمك أصمخ).
نحن أمام معضلة كبيرة، ورأي عام غاضب على الخطوط السعودية، وأؤكد أنني كتبت في عشرات المواضيع، ووجدت ردود أفعال متفاوتة، تتفق وتختلف مع أطروحاتي، عدا قضايا الخطوط السعودية التي أتناولها؛ أجد الناس من كل الفئات تتفق معي، ولديها شعور بالاحتقان الشديد تجاه هذه المؤسسة التي لا تحترمهم. وقد أشرت إلى أسلوب ومنهجية عدم احترام الخطوط السعودية للإعلام وللناس في عدد من المقالات السابقة، ولست بصدد تكرارها الآن.
الخصخصة مرحلة انتقالية ليست سهلة أبداً، ولكل مرحلة لا بد أن يكون هناك (رجال مرحلة)، أتمنى أن يتم إعدادهم، فالشباب الواعي الذي خسرت عليه الدولة ملايين الريالات قادر على النهوض بهذا الصرح، الذي أخشى أن يلفظ أنفاسه أمامنا دون أن نقدر على أي عملية إنعاش رئوي لإحيائه من جديد.
الخطوط السعودية بحاجة إلى إدارة جديدة، وعقول جديدة، وفكر جديد، ودماء حية تضخ فيها الحياة، لأجل الاستمرار المُرضي للتطلعات؛ إذ إن إقالة مسؤول وإحلال آخر مكانه لن يكونا حلاً ناجحًا مع الخطوط السعودية، إنما غربلة الإدارة العليا والإدارات المفصلية بالكامل، وها هم شبابنا - ولله الحمد - عادوا مؤهلين من بعثاتهم الدراسية، وهم الأولى والأقدر على النهوض بهذه المؤسسة التي تترنح أمامنا، والخوف من سقوطها فلا تقوى على أن تحملها أيدينا.
الأمر الآخر المهم ضمن هذه المرحلة، هو التيقظ والتنبه من بعض كبار أو صغار موظفي الخطوط فيما يحملون من توجهات فكرية وسياسية تضر البلد، وقد تكون سبباً في بغض هذا القطاع والانتقام منه بمحاولة إفشاله. هذه التوجهات حذَّر منها ساستنا وعلماؤنا، ودورنا جميعًا محاربتها في كل مكان!
www.salmogren.net