قد تبدو مكانة الآمر الناهي مغرية إلى حدٍ ما.. وتضخ النشوة في بالون السيطرة والتحكم.. لكن من سوء الحظ أنها مقامرة بحتة.. تدخلها ولا تعرف على ما تقامر.. حتى تشعر بثقل ديون المسئوليات التي ألقيت على عاتقك دون أن تنتبه.. لأنك مخمور بإشباع أخطر غرائزك.
وفي الجانب الآخر فإن مساحة الراحة لدى الآخرين تتسع كلما تخلصوا من مسئولياتهم.. وقليل من يرفض أن يقوم غيره بدوره فيما يتعلق بالمسئوليات.. ولأنك أخذت دور البطل الهمام.. وتراجع جندك.. أصبحت وحدك على خط النار.. لن يهنئك أحد على النصر.. وملام على الهزيمة والتقصير!.
كل هذا من أجل ماذا؟ لأجل شعور لحظي ساذج بالتفوق والقدرة والتفرد والتميز.. هذا ما يبدو عليه الوضع.. وهو في الحقيقة مجرد عربة مجانية تمر بالعابرين وتجر أثقالهم عنهم.
إن لم تَجرد المسئوليات التي تتحملها.. لتعرف ما يخصك وما أنت مسئول عنه حقاً.. لتفعله على الوجه الذي يرضيك.. وتتخلص من مقتنيات الآخرين.. وترفض أن تقوم بدورهم.. سينتهي بك الحال إما معتل الجسد والنفس.. أو تموت قبل أوانك.. فهل حقاً أنت حي أم جثة تتنفس؟
إن كنت تظن أنك تضحي.. فالتضحية تخالجها السعادة.. فهل أنت سعيد حقاً.. أم تشعر أن القطار يفوتك لأنك قررت أن تحمل حقائب المسافرين؟
وحتى نكون أكثر دقة.. فأنت في موقف الضعيف الذي لم يستطع أن يقول: لا.
وإن كنت تظن أنك وحدك من يتقن الأمر.. ولا يسعك أن تترك للآخرين فرصة التجربة والعمل.. فأنت في ورطة حقيقية يا “عبقري زمانك”.
لن تعرف معنى الحرية قبل أن تحرر نفسك من مهام الآخرين.. ولن تفهم كيف دارت عجلة السنين وانتهت مراحل لم تعشها كما تريد.. حتى تعرف مهامك ومسئولياتك بكل دقة.. ويمكنك أن تمنح المساعدة في حال كانت لا تتقاطع مع الوزن الذي تتحمله دون أن يكسر ظهرك.
واعرف كيف توزع مهام من تعيش معهم.. ليحظى كل منهم بفرصته لأن يكون إنساناً يختار ويعمل ويشارك.. مع أسرتك فرداً فرداً.. في وظيفتك.. وفي كل مكان.. فإصلاح الكون ليست مهمتك.. مهمتك أن تعيش حياتك بالقدر الذي يناسبك من المسئوليات.. ومساحتك الخاصة.
ولا يداخلك الخجل المرضي.. ولن أصفه بالحياء.. بأن تعلن التوقف عن هذا الاستنزاف لطاقتك.. وهي ليست أنانية.. إنما إنسانية ناضجة.. لذا تخلص من بدانة المسئولية.. واستمتع بالرشاقة.
amal.f33@hotmail.com