وجود العمل الإداري لكل منشأة خدمية، أو مشروع حيوي، لا شك أنه مهم وحيوي، لكن من المناسب أن لا يطغى هذا الهاجس الإداري بشكل واضح على تفاصيل هذه الأعمال، لكي لا يربك مسيرتها لاسيما وأن بعض المشاريع والأعمال محدودة ولا تتطلب تنظيما إداريا كبيرا قد تصبح معه العملية الإدارية عبئا على مثل هذه المنشآت الصغيرة، والأعمال المحدودة.
وربما لا يقف أمر الإدارة عند حدود منشأة تجارية محددة الأهداف، إنما يتعداه إلى أي عمل خدمي، أو مشروع إنساني يحتاج إلى متابعة وحسن إدارة، ووعي مناسب بفكرة العمل، لكن من المهم أن لا نحمل مثل هذه المشاريع أعباء إدارية قد تزيد من تعقيداته.
فالمقاربة هنا تأتي على هيئة مثال قائم حول تأزم العلاقة بين مهنية المنجز الخدمي وبين فرضية الإدارة، ومع أن الأمر لا يخلو من هذا الاحتمال في أي نشاط، إلا أن مصدر التأزم بين النشاط وسياقه الإداري يكمن أحياناً في المبالغة في وصف دور الإدارة ومهامها وصلاحياتها .. أي أن عملا تجاريا أو خدميا بسيطا قد لا يحتاج إلى جهد إداري مكلف.
وحينما ننظر في هذا السياق إلى الكثير من إمبراطوريات أو منظومات العمل المالي في بداياتها وازدهارها نجد أنها لم تقم على معطيات إدارة فحسب، إنما رؤية صاحب المشروع وحدسياته ومغامرته هي من صنعت هذا العمل أو المشروع، أما وإن جاءت الإدارة في سياق لاحق فإنها لا تعدو كونها منظمة للعمل وضابطة لإيقاعه حينما تتوسع أبواب هذه التجارة وتتعدد فروع هذا العمل.
فالذي يمكن لنا أن نقف عليه ونؤكده في هذه الرؤية هو أن هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة يجب أن تسير بدون هواجس ومكملات وإضافات على نحو المبالغة في رسم تفاصيل الإدارة، وتحميل الجهاز الفني أعباء إدارية وتجهيزات لا حاجة لها وكأنها من أولويات قيام أي مشروع خدمي أو تجاري جديد.
فالرؤية الواقعية لبناء المشروع التجاري المتوسط أو الصغير ينبغي أن لا يضع الهاجس الإداري في أولوياتها، أي أن يتم الاعتماد على الفكرة التي يقوم عليها أي مشروع، فكثيرا ما تعثرت مثل هذه الأعمال بسبب المبالغة في التوسع التنظيمي، ورسم خطوط قد تكون خيالية أو بعيدة عن الواقع، ومنها زخرفة الإدارة والمبالغة في جلب الموظفين وطواقم السكرتارية وتجهيز المكاتب الفاخرة، مع أن العمل في بعض هذه المنشآت الصغيرة لم يبدأ بعد، مما قد يتسبب في رفع كلفة المشاريع والصرف عليها بشكل غير مدروس، أو ربما تدار هذه الأنشطة بأسلوب لا ينم عن معرفة بخبايا العمل التجاري أو الخدمي.
كما أن بعض المنشآت والإدارات ذات النفع العام على نحو العمل الثقافي والفني والخيري والإغاثي كثيرا ما تواجه بمعوقات وعثرات وصعوبات حينما يبالغ في رسم الجانب الإداري، ليحمل ما لا يطاق، وهو في الأساس لا يحتاج إلا إلى لمسات إدارية فقط تحرك مفاصله بشكل متقن.
فالمبالغة في رسم الهاجس الإداري لأي مشروع أو نشاط قد يصرف الاهتمام عن أهدافه المهمة، بل إن هناك من يبالغ في عمل مجالس إدارات وانتخابات في وقت يتطلب العمل مرونة أكثر وتوجها إلى الفكرة الأساسية على نحو العمل الإنساني، كالأعمال التراثية والخدمية والخيرية، فالمطلوب أولا وأخيرا هو نجاح الفكرة وقيام هذا المشروع بأقل التكاليف ووفق معايير سليمة تحقق الأهداف المرجوة منها.
hrbda2000@hotmail.com