|
الجزيرة - أفنان الحبشان:
تحوَّلت «ثرثرة مجالس» في أحد المقاهي النسائية في العاصمة الرياض بين صديقتين سعوديتين في الأربعينات من عمرهن إلى مشروع تجاري صغير تَمَّ تنفيذه في غضون أيَّام معدودات، ليدرّ دخلاً بقيمة 18ألف ريال شهريًّا لِكُلِّ منهما.
ومن خلف طاولة بيضاء، وقفت المواطنتان لعرض أطباق متنوّعة لأكلات شعبية طبخنها بأيديهن منذ الصباح الباكر، على طريق يُؤدِّي إلى أحد الوجهات السياحيَّة، من الحادية عشرة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا «طوال العام» ومن بعد صلاة العصر وحتى قبل أذان المغرب بساعة «خلال شهر رمضان»، حيث ينتظرهن زبائن، استطابوا مذاق أكلاتهن، فاعتادوا الشِّراء منهن يوميًا.
وبعد مرور ما يقارب العام والنصف على ذلك اللِّقاء في المقهى، تتحدَّث إحداهن (فضلت النشر بكنيتها أم أحمد) وقالت لـ»الجزيرة»: قرَّرت اختيار العمل على خروجي للمناسبات الاجتماعيَّة. وأم أحمد الأم لسبعة أبناء إضافة إلى كونها جدة أيْضًا، تكشف أنَّها أقبلت على هذا المشروع الصَّغير لتنهي معاناة لأزمتها بعد وفاة زوجها منذ 17 عامًا، وتسرد متذكرة بداية عملها في مشروعها، كيف كانت تعود إلى منزلها ولم تبع شيئًا واستمرَّ هذا الوضع طوال شهر كامل، لكن مع مرور الوقت تغيَّر الحال للأحسن وتقول: «أصبح لديّ زبائن مختلفون من نساء وأطفال وشباب وضباط ومهندسين»، حتَّى وصل متوسِّط ما تجنيه كل واحدة من الصديقتين إلى ما يقارب 18 ألف شهريًّا.
وهناك، حيث التقت (الجزيرة) أحد زبائنهن المهندس المدني خالد 23 عامًا «مصري الجنسية»، الذي أخبرنا أنّه يأتي كل يوم ليأخذ منهما الغداء، لما يتميز به عمل أم أحمد وأم فيصل من جودة ونظافة.
أمام هذه التجربة، لم يُشكك الخبير الاقتصادي فيصل الدوخي -أثناء حديثه لـ»الجزيرة»- في نجاح المشروعات الصَّغيرة للأسر المنتجة، بل توقع لها نجاحًا وبروزًا ونموًا، خاصة إذا كانت المواطنة السعوديَّة هي من يعمل مباشرة على هذه المشروعات.
فيما اقترح الدوخي على وزارتي التجارة والشؤون البلدية التعاون بتخصيص مواقع رسمية منظمة في الأسواق للسيدات السعوديات وفي المواقع التي تجد إقبالاً سياحيًّا، بشرط ألا تمنح هذه المواقع إلا لِمَنْ يعملن فيها من السعوديات؛ دعمًا لهن.
في الوقت الذي تعيش فيه 80 في المئة من السعوديات حالة بطالة؛ وفقًا لإحصائيات برنامج الدَّعم (حافز).
ومن حيث ثقة المستهلك السعودي بالمنتجة والبائعة السعوديَّة، يؤكِّد الدوخي أن طبيعة المجتمع السعودي كما يرصد من خلال السُّوق الفردي للأسر المنتجة فإنّه داعم لِكُلِّ عامل ومنتج محلي؛ مستشهدًا بالإقبال على ورش السيَّارات التي يعمل بها مهندسو ميكانيكا سعوديون للثقة بهم أكثر مع تعزيز دعمهم.
والآن بعد تجاوز مرحلة البدايات التمهيدية للمشروع، تحكي أم فيصل (الصديقة الثانية) حاملة شهادة بكالوريوس من بريطانيا (حصلت عليه أثناء مرافقتها لزوجها المتوفى)، كيف يبدأ يومهما من السَّاعة 11 صباحًا وهما تستظلان مع أكلاتهما تحت عريش صغير في أحد شوارع الرياض، مفضّلة هذه الخطوة التجاريَّة الجريئة على مؤهل البكالوريوس الذي لم يُفدها على الصعيد العملي.
وأمام تصاعد أبخرة القرصان والجريش، كانت أم فيصل تتحدَّث إلى (الجزيرة)، عن كيفية تنفيذ فكرتهن قبل سنة ونصف: نبيع صحن «الجريش، والقرصان، الكشري، وصيادية السمك، إيدام مشكل، رز برياني»بـ 15 ريالاً. وتسترسل أم فيصل: نبدأ من 11 صباحًا إلى 3 عصرًا، ونعد الطَّعام من بعد صلاة الفجر إلى الصباح الباكر، عانينا في بداية المشروع من ضآلة الدخل ففي أول ثلاثة أشهر لم يتجاوز دخل كل منا خمسة آلاف ريال، لكن ولله الحمد بعد أن اشتهرنا وأصبح لدينا زبائننا، تحسن دخلنا الشهري إلى أن وصل في فصل الشِّتاء ما يقارب 18-20 ألف ريال في الشهر. وبالرغم من مضايقة بعض الشباب لهنَّ تقول عرفت الآن كيف نتحاشى مثل هذه المواقف ونتعامل مع البعْض بالأسلوب المناسب لهم.
فيما تكمِّل صاحبتها أم أحمد لتخبرنا أنهن في شهر رمضان الكريم يتعاملن مع بعض المحلات لبيع الأكلات الشَّعبية لبيعها بالنسبة، وفي الأيَّام العادية تبيع الحافظة من الحنيني بما يقارب 200 ريال ولكن مع المحلات تبيعه لهم بـ 175 ريالاً لحجة التجار إيجار محالهم الغالية. إلا أنَّها في أواخر رمضان تتوَّقف للاعتكاف ولا تستقبل طلبات لتقضي ما تبقى من الشهر في العبادة.