Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 21/08/2013 Issue 14937 14937 الاربعاء 14 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

تعشش في العقلية العربية آفة أصبحت لطول إزمانها جزءاً من شفرتها الوراثية. الآفة هذه تتلخص في أن العرب بعد كل مواجهة مع الأجنبي يخرجون منها سالمين يعودون مرة أخرى إلى عاداتهم البالية في التعامل مع الحياة ومفاهيم التنازع على الولاء بحد السيف. المفترض أن يكون الخروج من المواجهة مع الأجنبي، سواءً بربع أو نصف أو كامل انتصار، محفزاً للتحوط وتعزيز عناصر القوة في المجتمع والدولة المدنية، ثم القيام بغزو تأديبي مضاد، كما يتطلبه التعامل الأنسب مع الاجتياحات الخارجية المتكررة.

جاء السلاجقة والصليبيون، ثم المغول والتتار والعثمانيون، ثم الإنجليز والفرنسيون، وأخيراً اليهود والأمريكيون، وكلهم حفروا بغزواتهم دروباً عميقة على الأراضي وفي النفس العربية. للمقارنة بردود أفعال الآخرين عندما يتعرضون لغزو أجنبي، نذكر بأن الأسبان لم يكتفوا بطرد الغزاة العرب من ديارهم عندما استجابوا لمتطلبات هويتهم الأسبانية، بل وشتتوا بقايا العرب بمحاكم التفتيش ولاحقوهم إلى المغرب العربي الذي ما زالت أجزاء منه تخضع للاحتلال الأسباني حتى اليوم. الاستجابة الوطنية الأسبانية للغزو العربي أتت متأخرة بعدة قرون، لكنها حملت مواصفات الاستجابة المتوقعة التي تمارسها الشعوب ضد الغزاة الأجانب حينما تستجمع عناصر القوة.

لكي نتعرف على استمرار الماضي في الحاضر أحيلكم إلى كتاب الكامل في التاريخ للمؤرخ العربي ابن الأثير. قبل ألف عام تقريباً، أي أثناء الحقبة الممتدة من منتصف القرن العاشر حتى نهاية القرن الثاني عشر الميلادي كانت الشام والعراق وفلسطين ومصر تعيش نفس الأوضاع الحالية.

في العراق كانت إمارة الموصل أقوى من العاصمة بغداد، وكان الحكم كله يدار من خوارزم في بلاد فارس، والوضع اليوم كذلك. في الشام الكبرى آنذاك كانت عدة إمارات تتنازع على السلطة من خلال حروب طاحنة، إمارة دمشق وحلب وطرابلس وأنطاكية وصيدا وصور، وكل واحدة تتعامل مع الغزاة الأوروبيين الصليبيين ضد أخواتها الإمارات الأخريات، والوضع اليوم ما زال كذلك. في فلسطين كانت القدس وعكا وعسقلان بيد الغزاة الأوروبيين تحت رايات الصليب، واليوم تحت النجمة السداسية ولا فرق. مصر كانت تحكمها الدولة الفاطمية الشيعية التي كانت في حالة تآمر مستمرة مع البندقية وروما والفاتيكان ضد الشام والعراق، حتى ردها الناصر صلاح الدين الأيوبي إلى الإطار العربي السني، وكان مسلماً تقياً تعايشياً عروبي الهوى والثقافة رغم أصوله الكردية. الحقيقة أن الوجود الكردي في المنطقة لم يكن وجوداً طارئاً بالغزو، بل وجوداً متجذراً منذ القدم قبل أن ينتشر العرب بالإسلام إلى ديار الكرد. يقول مالك بن الريب وهو طريح محمول على النعش عائداً من إحدى الغزوات:

أقول وقد حالت قرى الكرد بيننا

جزى الله عمرواً خير ما كان جازياً

فقد الأيوبيون السيطرة في مصر للمماليك، وأولئك للعثمانيين، وهؤلاء للبريطانيين، وما زالت مصر تتنازعها الإيديولوجيات والعقائد والمطامح الشخصية.

الزبدة ما هي؟ هي أن كل عثرة وكبوة (وأعدادها بالعشرات) لم يكن يتبعها أي تصحيح يعيد المنطقة إلى هويتها العربية من خلال التأسيس للدولة الشرعية المدنية المستوعبة لكل مكوناتها.

نعم وبكل تأكيد، الإسلام هو الوعاء الإيماني الجامع للمسلمين الذي لا بديل عنه، لكن الهويات الوطنية تقوم على اللسان والجغرافيا والشعر والحكم والأمثال والعادات الأصيلة، وهذه بمجموعها هي مكونات هويات الأمم.

لألا يفتئت أحد بإطلاق تهمة العنصرية القومية، عليه أن يفتح عينيه جيداً ويقرأ مرة أخرى، فأنا أقول الهوية العربية، مثلما للفرس والكرد والترك والألمان والصينيين وكل الآخرين هوياتهم الأصلية.

الرياض

إلى الأمام
ما يحدث الآن يتكرر منذ ألف عام
د. جاسر عبدالله الحربش

د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة