قبل تسعة أعوام أدرجت شركة جوجل بالسوق الأمريكي وأذكر أن التقارير التي أصدرها المحللون من بيوت المال عنها انصبت حول تطوراتها المستقبلية التي أجمعت أغلبها أنها ستكون فهرس العالم وأوصوا بالاستثمار الطويل بها والبعض حتى ذهب لوضع تقديرات لسعرها بعد إدراجها الذي بدأ عند تسعين دولاراً بأنها ستصل خلال سنوات قليلة إلى خمسمائة دولار ثم أعقبوها بتقديرات أعطاها البعض سعر ألف دولار والآن هي تتداول قرابة تسعمائة دولار.
وجوجل ليست الشركة الوحيدة التي حظيت بتغطية صائبة منذ إدراجها بل كل الشركات بالأسواق العالمية تنال نصيبها من التحليل والتقدير المستمر لوضعها وسعرها وغالبا ما ترى النتائج مقاربة لما صدر من بيوت المال مع وجود استثناءات لسوء تقدير يحدث بكل تأكيد إلا أن ما يلفت الانتباه بالسوق المالي السعودي هو غياب مثل هذه الرؤى والتقديرات المتخصصة والتي تعطي تصوراً يمكن للمستثمر أن يستند عليه، فهل سمعنا عن أي تقرير أعطى رؤية لشركة أدرجت بالسوق أو حتى قائمة لفترة مستقبلية تمتد لسنوات مبنية على تفاصيل موسعة عن تطور إنتاجها أو سوقها فما هي الأسباب التي تحول بين ما نأمله من تطور بصناعة الأبحاث والتوصيات المالية والواقع الذي نعيشه.
وقد يكون من الأسباب ضعف أو قلة الخبرات البشرية لدى المؤسسات المرخصة للقيام بهذه الأبحاث إلا أن هذا العامل يمكن التغلب عليه بطرق عديدة سواء بتأهيل الكوادر الوطنية أو استقطاب خبرات عالمية أي أن المعضلة هنا ليست بالعقبة الكبيرة ويمكن التعامل معها إذا كانت هي السبب لكن للوصول إلى تحديد أسباب ضعف التقارير والأبحاث التي نطمح لها لا بد من معرفة مدى تجاوب الشركات المدرجة مع بيوت المال بإعطائهم المعلومات الكفيلة بخروج تقارير مقاربة لما هو متوقع لأعمال الشركة.
وما أقصده تماما هو خليط من دراسات الجدوى لأنشطة الشركة وكذلك معلومات كافية عن مشاريعها وأثرها المتوقع عليها وحالة السوق والمبيعات وآليات التسويق والفحص الكامل الذي تقاس من خلاله كفاءة الإدارة من خلال طرق عديدة يستشفها المحلل الذي يقوم بوضع الدراسات والأبحاث عن الشركات فكل معلومة تقدم له سيكون لها دور كبير في وضع تقديراته لمستقبل الشركة كما أن التجديد الدوري للمعلومات سيكون له عامل كبير في توقع أي مخاطر قادمة أو جوانب إيجابية لم تكن بالحسبان.
فكثير من الشركات لديها مشاريع تنفذ أو مخطط لها ولا تجد عنها أي معلومات ويتفاجأ السوق بالإعلان عنها رغم أنها في حسابات الشركة منذ فترة طويلة ففي رمضان دشن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله مشاريع صناعية بأكثر من 300 مليار ريال واتضح أن ثلثها من حيث القيمة تقريبا تتبع لشركات بالسوق ولم نجد تعليقات وبيانات واسعة حولها مما يلفت نظر المستثمرين لها ولم يسبق التدشين أي إعلان مفصل ينبه لهذا الحدث الكبير من قبل الشركات المدرجة.
وهنا لا بد من تطوير الأنظمة التي تجبر الشركات عن الإعلان عن تفاصيل مشاريعها الجديدة تحديداً وكذلك السماح لبيوت المال بالحصول على كل ما يطلبونه من معلومات تساعدهم على وضع تقديرات صحيحة حول أداء الشركات ولعل ما يحدث من توقعات لأرباح الشركات خير دليل على غياب المعلومات أو المهنية أيضاً إذ نجد تباينات كبيرة بين غالبية التقديرات وما تعلنه الشركة من نتائج وهذا مثال بسيط إذ إن القراءات المستقبلية لأنشطة ومشاريع الشركات ذات دلالة وأهمية كبيرة للمستثمر فكلما اتضحت الصورة أمامه زادت قدرته على اتخاذ قراره الاستثماري بشكل صحي أكثر وبدلا من البحث عن توصيات المضاربة سيتجه للاستثمار الذي يستطيع من خلاله تقدير هدفه الاستثماري ومدته أيضا فالقضاء على المضاربة الغوغائية لا يأتي فقط بملاحقة المضاربين المدلسين ومعاقبتهم بل بمنهج علمي يحد من اتجاهات السيولة السلبية فالمضاربة بحد ذاتها عنصر أساسي بعمل الأسواق ومطلوبة لكنها أيضا يجب أن تكون منطقية ومنضبطة.
التقارير والدراسات والتوصيات أحد الآليات المهمة بتوجيه تدفق النقد بالسوق وتأتي من طرف رئيسي من المتعاملين المرخصين وتشكل مع حزمة الأنظمة والتشريعات التي تقرها هيئة السوق عوامل متكاملة للوصول بالسوق إلى أن يكون رافداً استثمارياً وتنموياً للاقتصاد وتقلل من الممارسات السلبية أو الخاطئة فيه وما يصدر حاليا من تقارير محدودة عموما لا يصل للمرحلة التي تعطي المستثمر القدرة على القرار الأفضل له لفترة زمنية متوسطة أو طويلة.