في لحظة إرهاق ربما تستطيع الاتكاء على سطح غير مريح تنشد شيئاً من الراحة.. لكنك قطعاً لن تنام ملء جفنيك على نتوء يهدد جسدك باختراق مباغت.. أو تستقر على صفيح ساخن يسرق طاقتك ويرفع حرارتك حد الغليان.. كذلك الحياة مع شريك لا تتفق معه.. أو تعيش معه على مبدأ مناوشات القطط.. التي تبدأ بتبادل النظرات العدائية والمتحدية.. تتبعها أصوات مكتومة تنفجر بصخب وتبادل النغمات أيها أعلى.. سرعان ما يشاركها الجسد بقتال دموي.
فالعشرة القائمة على حرب باردة.. بالنظرات أو بلغة جسد رافضة.. تحاكي ذات الحرب «القططية» الواعدة بانحسار العاطفة.. وتكدس الغضب.. ولا يمكن التنبؤ بالمستوى الذي ستقف عنده تلك الحرب.. قد تبقى تدور في فلك الشتائم وفقر الأدب.. وقد تنزل لمستوى الحيوان الذي يستخدم جسده لأخذ حقه.. أو اغتصاب حقوق الآخرين.. أو تموت بالقطيعة والتجاهل.
ونسمع كثيراً عن التفاهم وأهميته.. في الأسرة.. والعمل.. وعلى مستوى الدول.. وعند المفكرين.. ورجالات الدين.. والملحدين.. وكل بشر.. إلا أنه حين التطبيق.. يبقى غيب لا يعلم حقيقته أحد!.. فهو ليس الحُلم وحده، وليس ضبط النفس، وليس الحوار الراقي.. وليس الحكمة.. وليس الحب.. وليس امتلاك المعلومات والاطلاع.. هو أعمق من ذلك بكثير.. وأجمل ترجمة لماهيته.. وجدتها في وصف -ريتشارد بندلر- عندما قال: «التفاهم هو تحمل الاختلاف».
وحيثما تجد النزاع.. والحرب.. والقتال.. تجد أن أحد الطرفين أو كلاهما معاً لا يستطيع أن يتحمل الاختلاف وليس الخلاف.. ولو تأملت موقفاً حدث معك.. كان النزاع فيه سيد الموقف وعبده.. ستجد أن غياب الفهم لحتمية الاختلاف سبب لاشتعال الفتنة.. لأن كل واحد يظن أن خبراته أو رأيه أو مذهبه أو نظريته تمثل الحقيقة، والصحيح، والنجاة، ولديه شك خفي بدوافع الطرف الآخر إن لم يأخذه على محمل شخصي، وأن الهدف هو النيل منه.. أو الإطاحة بمعتقداته.
ويمكن أن تقيس مدى كونك إنساناً «متفاهماً» عند محك الاختلاف.. وقد قالت حكيمة في معرض حوار جميل.. فيما معناه أن الأصدقاء والأحباب والرفقاء قد لا يكون الخذلان هو هديتهم لنا، بقدر ما هي قدراتهم التي قدمت أفضل ما تستطيعه لنا.. لكن عند معاييرنا القاسية بعلوها الشاهق تكون عملية الوزن ظالمة ومجحفة.
تحمّل الاختلاف صعب وصعوبته تأتي من أنانية المعتقد والغرور الذي ينفيه الإنسان عن نفسه ليل نهار وتداخل المشاعر مع الفكر وعند هذه النقطة يغيب التفاهم تماماً؛ لأن الميزان بات حباً أو كراهية.. لا خيار ثالث بينهما.. لأن العقلية هنا ترسم لكل شيء إطاراً بمقاييس ثابتة.. ما لا يناسبها.. هو الخطأ والخطر والمؤامرة.. والعدو والعداوة. وهكذا يبقى عراك القطط قيد الإحماء..!
amal.f33@hotmail.com