بمناسبة مطلع العام الأكاديمي الجديد 1434-1345هـ، أستميح عموم القراء عذرا بأن اقدم صفحة من تجربة التعليم الجامعي كشهادة شخصية على محاولة المشاركة بريشة في أجنحة العملية التعليمية والإخلاص في حب الوطن وفي العمل. ومع ان هذه الشهادة قد تكون مجروحة لعشقي المعمر والطائش معا لعملي التعليمي بالجامعة ولعملية التجديد فيه..
.. فإني آمل من خلال تقديمها علنا ليس فقط توسيع دائرة رغيف «العيش والملح» «والحلم والتفكير الإبداعي» بيني وبين الاجيال الأكاديمية الصاعدة من الشباب والشابات المناط بهم مؤخرا القيام بالتعليم عبر مختلف مؤسسات التعليم العالي, بل وإنني آمل في ذلك ايضا فتح الباب لتلقي أي إضافة أو نقدا قد تشكل تعميقا لخبرتي وتجديدا لدورتي الدموية.
رؤيتي للتدريس
التدريس هو نعمة عقلية تتطلب أعمال العقل والحواس والحدس، كما تتطلب التفكر والعقلانية في ضوء التفكير العلمي المنظم والمنتج المعرفي التاريخي والمعاصر، وهو في نفس الوقت عملية إبداعية لا تكف عن تأصيل نفسها بالتجربة وبالتفكير الابتكاري والمزيد من الاكتشاف.
في رؤيتي لا تنطلق عملية التعليم الأكاديمي إلا بأربعة أجنحة المنهج العلمي الطالب الأستاذ وبيئة تعليمية مساندة داخل وخارج الجامعة.
أرى أن العملية التعليمية عملية ضميرية يومية كما هي عملية تبادلية بين الطالب والأستاذ وليست مجرد وظيفة ولا عملية تلقينية. فالعلاقة بين الأستاذ وبين الطالب يجب ألا تقوم على أساس هرمي أو استئسادي أو الحاقي أو تبعي. فأعمل على إكساب الطالبة القدرة على الاستقلالية وعلى التعلم في نفس الوقت في ظل علاقة من الاحترام المتبادل والمساواة بين الطالب والأستاذ وبين الطالبات بعضهن البعض.
أرى أن عملية التعليم الجامعي يجب أن تجمع بين العمل العلمي الجاد والمتعة العقلية.
وأعمل ما وسعت على تحقيق ذلك من خلال تنويع أسلوب التدريس ضمن استراتيجية التعلم والالتزام بمضمون المقرر.
تتأسس رؤيتي على ضرورة العمل على تخريج طالبات قادرات على توظيف التخصص الجامعي توظيفا نوعيا يتسم بالجودة والإتقان في حياتهن العملية بعد التخرج من خلال المهارات والمعرفة العلمية التي اكتسبنها بما يجعلهن كوادر وطنية متميزة في الاستجابة لمتطلبات سوق العمل.
كما أرى ألا يتوقف تأثير عملية التعلم على الجانب الوظيفي وحده من حياة الخريجة بل أعمل أن يكون ذلك التأثير تأثيرا إيجابيا ينعكس على مناحي حياة الطالبة بإكسابها شخصية قوية مستقلة، إيجابية وعارفة علميا وحياتيا.
تشتمل رؤيتي على النظر إلى عملية التعليم كعملية مستدامة لا تتوقف بنهاية المقرر أو بالتخرج، لذا أعمل على تطوير حس الدهشة عند الطالبات وتشجيعهن على عدم التفريط في الفضول المعرفي بعد التخرج.
بالاستناد إلى رؤيتي للتدريس كعملية إبداعية على مستوى فردي وجماعي وعلى مستوى نظري وميداني داخل إطار العمل الاكاديمي المباشر وهو القسم (هنا قسم الدراسات الاجتماعية) قمت لاكثر من مرة بالتعاون مع الزميلات بتقديم خطة دراسية مطورة عن سابقتها واقترحت شخصيا استحداث العديد من المقررات من تجربتي العلمية او تجربة الاطلاع على خطط اقسام الدراسات الاجتماعية بجامعات عالمية. ومن ذلك اقتراح بتدريس (ادبيات التنظير الاجتماعي والاقتصادي للبترول), علم اجتماع المعرفة, النظريات النقدية التيارات والمدراس النظرية ما بعد الحداثة, الفكر الاستشراقي في العلوم الاجتماعية وعلم الاجتماع. مفهوم المجتمع المدني وحقوق الإنسان. الأساليب الكمية في الدراسات الاجتماعية. وقد قمت بتصميم بعض هذه العناوين كمقررات قدمتها من خلال مقررات موضوع خاص لأكثر من فصل دراسي.
من رؤيتي في التدريس أن كل طالبة شخصية مستقلة وذات عارفة تملك ملكات التعلم فاحرص على معرفة بل حفظ اسم كل طالبة من طالبات مقرراتي مهما كان العدد كبيرا لتشعر كل طالبة باهميتها الخاصة بذاتها وكفرد داخل المجموعة من فريق العمل المشترك في الفصل وبالمقرر.
رسالتي في التدريس
التطوير المعرفي للمعرفة التي أقوم بتدريسها وإعادة اكتشاف مجاهل معرفية جديدة في نظرياتها ومناهجها ومدارسها وتياراتها مع تثمين اختلافاتها وتوظيف تنوعها لمزيد من الإثراء المعرفي لذاتي ولطالباتي.
التواصل المعرفي مع الطالبات مؤسس على التواصل الإنساني في إطار عملية التعليم الأكاديمي بهدف التمكن العلمي من موضوع التخصص كمعرفة منهجية منظمة لتطوير ذوات إنسانية عالمة قادرة على التفكير العقلاني والإبداعي معا. وبهدف تمكين الطالبات من المنهج العلمي وادواته. وكذلك للعمل على تطوير ذوات قادرة على توظيف معرفتها العلمية في حياتها العملية على مستوى شخصي وعام.
بما أن المعلومة العلمية والعامة أصبحت متاحة عبر أوعية المعرفة المتعددة بالوسائل التقنية المعاصرة وبأوعيتها التقليدية معا فإن رسالتي في التدريس بالإضافة لتعليم الطالبات كيفية وموضوعية الحصول على المعلومة بفعالية وبأمانة علمية من المصادر المتعددة فهي ايضا الحرص على تطوير معارف الطلاب ومهارتهم في كيفية توظيف المعلومة توظيفا إيجابيا سواء بالاتفاق معها أو الاختلاف معها أو بالإضافة عليها. هذا دون التوقف عن التفكير في مواجهة التحدي الجديد الذي خلقته تقنية المعلومات الحديثة لكل معلم وبالذات الأستاذ الجامعي, مواجهة إبداعية بحيث يصير دوري ابتكارياً في التعامل مع المعلومة المعرفية وتحليلها وليس تكرارا مملا لما يمكن أن يحصل عليه الطالبات من معلومات بضغطة على مفاتيح الكمبيوتر أو الآيباد والجوال.
هدف التدريس
إثارة وإرواء الفضول المعرفي لدى الطالبات وأخذه إلى المصاب الأعمق في المعرفة العلمية, وأستميت على أن اطور لدى الطالبات ملكاتهن الكامنة والموروثة والمكتسبة أياً كان المقرر الذي أقوم بتدريسه. وأحث الطالبات على تطوير واستخدام (سبع عيون) في التعلم وهذه العيون هي :
العين المتساءلة، العين الفاحصة، العين المستكشفة، العين المتفاعلة والمحللة، العين المتسامحة، العين الناقدة والعين المبدعة.
خلق نهر جار بين المعرفة العلمية وبين الحياة يصب كل منهما في الآخر وينهل منه استثمار جذوة الحماس والعمل والتوق إلى التعلم وخوض التجارب الجديدة التي تميز مرحلة الشباب لطلاب الجامعة وطالباتها بالعمل على المزيد من إذكائها وتوجيهها في مسارات مشروعة للإنجاز العلمي والميداني والتفاعل الحياتي وتطوير شخصية الطالبات- الطلاب كذوات مسؤولة، مبدعة ومتعددة، ذات ضمير إنساني ومهني ووطني.
تأهيل وتمكين الأجيال الشابة من الطلاب والطالبات (بمن فيهم نحن!) وخاصة النساء ممن اقوم بتدريسهن والتفاعل المباشر معهن من المشاركة المجتمعية والعلمية من خلال موقف معرفي وأدوات معرفية متمكنة ومجيدة ومتقنة ترد الاعتبار للنوع الاجتماعي بتكليفه الإلهي المشترك في عمارة الأرض.
ليس ختاماً:
أكمل أساسيات وأسلوب التدريس الأكاديمي، أساليب التقويم العلمي للطالبات، أخلاقيات العمل الأكاديمي الأسبوع القادم بإذن الله.
اما ما يجري في مصر الغالية كرمز وكطليعة للوطن العربي من احداث تجر الروح على شوك الاسئلة فإن قضيتها العادلة لن يغير من عدالتها وضميريتها إن تكلمنا أو صمتنا.
Fowziyaat@hotmail.comTwitter: F@abukhalid