|
ودع العالم الإسلامي قبل أيام الداعية الصالح وصاحب الأيادي البيضاء في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام في كافة بقاع العالم الفقيد الدكتور عبد الرحمن بن حمود السميط (1947 - 2013) الذي غاب عن الدنيا ونحن على يقين بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فقد قال الفقيد - رحمه الله -عندما سئل عن صنعه: «نحن لا ننتظر شهادات من أحد، فعملنا في الميدان، وننتظر من الله فقط أن يتقبل منا». نعم ودعنا أحد فرسان هذا العصر في مجال الإغاثة ونصرة الملهوف ونشر الدعوة إلى الله، بل أبرز الدعاة الذين لعبوا دورا رياديا في بناء المساجد والجامعات والمدارس ودور تحفيظ القرآن الكريم والمراكز الإسلامية وكفل الأيتام وحفر الآبار وغيرها من أعمال الخير.
هذه الأعمال الخيرية لم تقدم باسم الإسلام فقط بل باسم الإنسان والإنسانية، فالإسلام خاتم الأديان وهو الدين الحق، والفقيد كان يرجو من أفعاله هذه - كما كان يردد دائماً - وجه الله أولاً وأخيراً، فقد كان أشد الناس حرصاً على نشر الدعوة الإسلامية ومساعدة الفقراء والمحتاجين والأيتام وبخاصة في إفريقيا. ومن هنا فهذا الشخص يجب أن تكتب سيرته بماء الذهب فقد بنى أكثر من ستة آلاف مسجد ومدرسة وأسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص.
قال السميط عن رسالته في هذه الحياة:
«الدعوة هي كل حياتي، ومنذ زواجي كنت أناقش مع زوجتي» أم صهيب « أن نهاجر معاً إلى ماليزيا أو إندونيسيا للتفرغ للدعوة الإسلامية هناك، وعندما تخرجت وعملت في مجال الطب وجدت أن المستشفى لا يتسع لكل الطاقة والطموحات التي توجد لدي، وأول مشروع خيري عملت به هو بناء أحد المساجد في - ملاوي - الإفريقية وهو البداية لمشاريع خيرية لاحقة.. وفي مجال المجاعة مات الآلاف أمام عيني وبين يدي بسبب الفقر وانتشار الأمراض وبخاصة في إفريقيا كالصومال وكينيا.. أما بالنسبة للتعامل مع الأفارقة فهم لهم ثقافتهم وحضارتهم ولغتهم، ويجب أن نخاطبهم باللسان الذي يفهمونه، ومن الخطأ أن ننقل لهم مشاكلنا في العالم العربي، فهم لديهم أولويات ومن خلالها يجب أن نخاطبهم بها لنشر الدعوة الإسلامية فهم لديهم الاستعداد لتقبل العقيدة الإسلامية من دون تعقيد وذلك من خلال نطق الشهادتين، ولكننا كعرب ما زلنا مقصرين تجاه الدعوة لأننا لم نقم بواجبنا في مجال هذه الدعوة وبخاصة خلال القرنين الماضيين، وأضعنا الكثير مما بناه الأجداد في البداية واكتشفنا عشرات القبائل في إفريقيا ممن كانت تنتمي لأصول عربية ولكنها ضاعت الآن.
أما أهم العقبات التي واجهتنا خلال مسيرة الدعوة في الفترة الماضية فمنها:
أولاً: عدم وجود الكفاءات، فكليات الدعوة والشريعة لا تخرج دعاة بل تخرج أئمة مساجد فقط، فلم أجد أي كتاب يدرس في كليات الشريعة عن الإنسان في كل قارات العالم ومنها في إفريقيا، ومن هنا فيجب أن يكون هناك أحد المخارج لطلاب الشريعة يدخل منه إلى هذه الأفكار باللغة العربية التي تسهم في تأهيل الدعاة.
ثانياً: لا توجد دراسات ميدانية عن هذا الشيء وكل ما لدينا مجرد دراسات نظرية، فنحن نحتاج إلى ناس لديهم خبرة في مجال الدعوة وينزلون إلى الميدان ويكتبون منه من واقع هذه الخبرة.
ثالثاً: مطلوب تأهيل طلبة كلية الشريعة في ميدان الدعوة والتضحية في سبيل عقيدتهم». وقد استحق الفقيد لقب «خادم فقراء إفريقيا» فقد عاش حياته في هذه القارة لنشر الإسلام ومساعدة أهلها على مدى عقود، وسطر تجربته مع شعوب إفريقيا من خلال بعض الكتب العلمية والتوثيقية التي ألفها حول عمله الخيري هناك.
- لبيك أفريقيا - دمعة أفريقيا (مع آخرين) - ملامح من التنصير - رحلة خير في أفريقيا رسالة إلى ولدي - قبائل الأنتيمور في مدغشقر - قبائل الدينكا - قبائل البوران - دليل إدارة مراكز الإغاثة - السلامة والإخلاء في مناطق النزاعات - إدارة الأزمات للعاملين في المنظمات الإسلامية.
وأبرز إنجازاته التي حققها خلال حياته عبر عمله الخيري:
أولاً: أسلم على يده أكثر من سبعة ملايين شخص في قارة إفريقيا بعد أن قضى ما يقارب من ثلاثة عقود لنشر الإسلام هناك.
ثانياً: يعد مؤسس جمعية العون المباشر «مسلمي إفريقيا سابقاً».
ثالثا: رئيس تحرير مجلة «الكوثر».
رابعاً: ساهم في بناء ما يقارب من 5700 مسجد ورعاية 15000 يتيم وحفر حوالي 9500 بئراً ارتوازية في القارة الإفريقية.
خامساً: عمل على بناء حوالي 860 مدرسة و 4 جامعات و204 مركز إسلامي.
وعلى مدى العقود التي أمضاها الداعية الراحل السميط منح الكثير من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير العربية والإقليمية والدولية نظير جهوده التي قدمها من أجل الإنسان والإنسانية وبخاصة في القارة السمراء، ومنها: جائزة العمل الخيري والإنساني من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2006م - وسام فارس من رئيس جمهورية بنين 2004م - وسام فارس العمل الخيري من إمارة الشارقة عام 2010 م - جائزة الشارقة للعمل التطوعي والإنساني عام 2009 م - جائزة الشيخ راشد النعيمي حاكم إمارة عجمان عام 2001م - - وسام النيلين من الدرجة الأولى من جمهورية السودان عام 1999م - وسام مجلس التعاون الخليجي لخدمة الحركة الكشفية عام 1999م - وسام رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي عن العمل الخيري عام 1986م - الدكتوراه الفخرية في مجال العمل الدعوي من جامعة أم درمان بالسودان.
بعد إعلان وفاة الداعية السميط أعلن وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الصحة الشيخ محمد العبدالله أن سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد أمر بإطلاق اسم المغفور له بإذن الله تعالى على أحد شوارع الكويت تقديرا لأعماله الجليلة وخدماته المتميزة في العمل الخيري والإنساني.
كلمة أخيرة:
التقيت بالفقيد شخصيا لمرة واحدة في إحدى سفراتي وكان شخصا متواضعا لا يحب سوى أعمال الخير ونشر الإسلام وهو همه الأول والأخير، رحم الله السميط الذي سخر وقته وجهده وحياته كلها من أجل نشر الإسلام ومساعدة الفقراء في كافة دول العالم وبشكل خاص في القارة الإفريقية، غفر الله ذنبه وأسكنه فسيح جناته وعزاؤنا لأبنائه ولكافة أسرته لا أراهم الله مكروها في عزيز وعزاؤنا بشكل خاص إلى رفيقة دربه (أم صهيب)، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
كاتب وأكاديمي قطري - r.s.alkuwari@live.com