خطاب الملك عبدالله -حفظه الله- حول الأحداث في مصر، يُمثل بصدق شخصية هذا الفارس الفذ، وأخلاقياته وقيمه ومبادئه؛ فالرجال مواقف؛ ومثل هذا الموقف التاريخي العظيم والنبيل سيذكره له ليس أهل مصر وحسب، وإنما كل من عرف مدى الأخطار التي تُحدق بالمنطقة فيما لو استطاعت هذه الجماعة الضالة المضلة العميلة أن تُحقق أهدافها.
القضية لم تعد مجرد خلاف، وتجاذبات سياسية بين فرقاء سياسيين، وإنما هي معركة كسر عظم بين عملاء خونة، وبين (مصر) الدولة، والتاريخ، والجغرافيا، بكل مؤسساتها، وتراثها، وأزهرها، وشعبها، وجيشها، وحراس أمنها، وقُضاتها، ومثقفيها، وتجارها، وفلاحيها.
من هذه المنطلقات، وهذه الأبعاد، ناهيك عن العلاقات التاريخية بين المملكة ومصر، جاءت كلمة الملك عبدالله، لتضع النقاط على الحروف بوضوح، ولتؤكد كما جاء في الكلمة: (إن ما يجري في وطننا الثاني جمهورية مصر العربية الشقيقة، من أحداث تسر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر، وشعبها، وتؤلم في ذات الوقت كل محب حريص على ثبات ووحدة الصف المصري الذي يتعرض اليوم لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة -إن شاء الله- لضرب وحدته واستقراره، من قبل كل جاهل أو غافل أو متعمد عما يحيكه الأعداء).
ولأولئك الذين تداعوا يقفون مع هذه الجماعة، ويدعمون (إرهابها)، ويساندونها، في مسعى لاهث لإنقاذ عملائهم، قال حفظه الله: (ليعلم العالم أجمع أن المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية، في عزمها وقوتها -إن شاء الله- وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر. وليعلم كل من تدخل في شؤونها الداخلية أنهم بذلك يوقدون نار الفتنة، ويؤيدون الإرهاب الذي يدّعون محاربته، آملا منهم أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان).
فالمملكة الآن تقف بكل ثقلها السياسي، والاقتصادي، شعباً وحكومة، مع مصر ضد هؤلاء الإرهابيين في خندق واحد، وهذا ما تحمله الرسالة إلى العالم، وتحديداً إلى الذين راهنوا على الإخوان، وكذلك من ضللوا (البسطاء) من المصريين، فضلاً عَمّن فتحوا لهذه الجماعة الإرهابية خزائنهم، ليغرفوا منها كما يشاءون، ومتى يشاءون، دون حسيب أو رقيب.
ومن المفارقات التي عززت الشكوك التي كان يؤكدها كثيرون، وكنا نعتبرها مجرد مبالغات، أن من أشعلوا المنطقة في السابق بحجة أنهم يُحاربون (الإرهاب)، هم اليوم من يقفون بكل قوة خلف إرهاب الإخوان؛ ما يُشير وبوضوح إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن أولئك الذين هرولوا إلى مجلس الأمن في محاولة لاهثة لتدويل القضية ليتسنى لهم التدخل في الشأن الداخلي المصري، لم يهرولوا عبثاً، وإنما لإنقاذ حليف من ورطته.. ومن يعرف الغرب، وساسة الغرب، وأساليب الغرب، وألاعيب الغرب، يعرف أن المصالح هي التي توجههم وتدور حول رحاها سياساتهم؛ أما (ذريعة) حقوق الإنسان، والتباكي على الدماء المصرية، فهي مجرد (مبرر) لتكون جسراً يعبرون من خلاله إلى غاياتهم؛ أو قل: إلى مخططاتهم التي تكشفت على حقيقتها الآن للجميع،
بقي أن أقول للإخوة المصريين: إن الذي قال كلمته يوم أمس الأول رجلٌ إذا قال فعل؛ وسيقف معكم، ومع أمنكم، ومع استقراركم، ومع لُحمتكم، حتى النهاية، ومهما كانت التكاليف؛ وهذا ما يجب أن يعيه الجميع، القريب قبل البعيد، جيداً.
إلى اللقاء.