هناك رغبة أكيدة لدى المجتمع ولدى المؤسسات الحكومية المعنية، كوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الإسلامية، وغيرها، في دعم العمل الخيري بأوجهه كافة، بل إنه يقدم دعماً حكومياً، يغري البعض للشروع في العمل الخيري، كدعم الجمعيات الخيرية ودور الأيتام وما يشابهها من مؤسسات.
هذا فعل حسن، ولا يجب حجبه، بل نعترف بأن الدعم محدود، ونحتاج إلى المزيد، لكن السؤال الذي نطرحه من واقع الأحداث التي ينشرها الإعلام، كوجود جثة طفل متعفنة بدار أيتام، أو وجود تعذيب وحرمان لبعض الحالات، أو وجود تجاوزات غير مقبولة مهنياً واجتماعياً في حالات أخرى، يجعلنا نطالب بتقنين يتجاوز مجرد الدعم وشحذ الهمم، تقنين موضوعي وعلمي ذي تنظيم مؤسسي بعيداً عن العواطف والمجاملات، سواء المجاملات لداعمي العمل الخيري أو القائمين عليه.
من حق جهة ما أو مجموعة ما تبني عمل خيري ودعمه مادياً، لكن ليس من حقهم القيام بأدوار مهنية غير متخصصة. على سبيل المثال، يحق لمجموعة تأسيس جمعية خيرية، ولكن لا يعني أن يسمح لهم بإدارة مؤسسة تربوية أو صحية مباشرة حتى ولو كانت مجرد روضة أو مستوصف. نرحب بعملهم الخيري، لكن عليهم التعاقد مع مؤسسة تربوية متخصصة ومصرح لها من الجهات ذات العلاقة. للأسف، إنها ملاحظة بارزة، وهي قيام الجمعيات الخيرية بافتتاح رياض أطفال ودور أيتام ومعاقين وهي غير مؤهلة لذلك، ولا تملك الموارد التي تسمح لها بعمل متقدم في هذا الشأن، سواء الموارد المادية أو التقنية أو المهنية المتخصصة.
أعلم أن الجهات المعنية والمجتمع يتعاطف مع الجمعيات الخيرية بحجة أن هذا عمل خيري، جزى الله القائمين عليه كل الخير؛ وواجبنا التسهيل لمهامهم، وليس التعقيد بفرض الشروط والقوانين المعقدة.. لكن يجب أن نتجاوز فكرة أن العمل الخيري هو العمل المتواضع، وأن الفقير قدره أن يأكل بقايا الطعام والمتسخ منه بدلاً من أن نتبرع له بطعام نظيف وصحي موافق لكل اشتراطات السلامة والذوق والمهنية.
إن اشتراط وجود مؤسسات محترفة تتعاقد معها الجمعيات الخيرية لتقديم أعمالها التربوية والإيوائية والصحية وغيرها يتجاوز مردوده مجرد إتقان العمل المقدم إلى إيجاد وسيلة محاسبية وعقود واضحة، تقلص بعض التجاوزات المالية والفساد الذي يرتكب من خلال العمل الخيري والاجتماعي.
أختم بالتأكيد على قضية عدم إيكال العمل التربوي والصحي والاجتماعي وغيره إلى مؤسسات خيرية مباشرة دون تخصص، ودون اعتراف ومراقبة عليها من الجهات ذات الاختصاص المهني، وليس فقط من الجهة الإدارية المعنية بالشأن الاجتماعي (وزارة الشؤون الاجتماعية). ولنا في قضية الطفل اليتيم الذي وُجد ميتاً خلال أيام العيد بإحدى دور الأيتام عبرة؛ إذ لم تكن تلك الدار والقائمون عليها من ذوي الاختصاص التربوي والإداري والاجتماعي المناسب؛ وبالتالي اعتمد عملها على اجتهادات ومجاملات إدارية، قادت إلى ما حدث.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm