|
تلقي المنشطات بظلالها على بطولة العالم لألعاب القوى المقررة في نهاية الأسبوع الجاري على الملعب الدولي لوجنيكي في موسكو وحتى 18 من آب/أغسطس الجاري. وجرت العادة في الأعوام الأخيرة أن يتم اكتشاف حالات المنشطات بعد انطلاق العرس العالمي إلا أن الأمر اختلف هذه المرة حيث شهدت الأسابيع الثلاثة الأخيرة ضربات قوية لرياضة أم الألعاب باكتشاف حالات كبيرة لعدائين وعداءات تناولوا مواد محظورة.
ولم تسلم ألعاب القوى الروسية من الظاهرة التي أدت إلى استبعاد 40 عداء وعداءة بينهم بطلة أولمبياد أثينا 2004 في رمي المطرقة اولغا كوزينكوفا وصاحبة فضية رمي القرص في أولمبياد لندن 2012 داريا بيشتشالنيكوفا ما تسبب في ارتفاع أصوات كثيرة تطالب بسحب الاستضافة من الروس. يذكر أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها روسيا مونديال ألعاب القوى في الهواء الطلق بعدما كانت لها تجربة تنظيم مونديال داخل صالة عام 2006. وتشكل بطولة العالم لألعاب القوى أول بطولة عالمية من الحجم الرفيع التي تستضيفها روسيا منذ تنظيمها دورة الألعاب الأولمبية عام 1980، كما أنها سلسلة من التظاهرات الرياضية التي تستضيفها روسيا في أفق التحدي الأكبر تنظيم نهائيات كأس العالم في كرة القدم عام 2018.
وقبل ذلك تستضيف روسيا دورة الألعاب الأولمبية الشتوية اعتبارا من شباط/فبراير المقبل في منتجع مدينة سوتشي على
البحر الأسود. وتملك روسيا خبرة كبيرة في مجال استضافة الأحداث الرياضية الكبرى ففضلا عن الأولمبياد، نظمت العاصمة موسكو مونديال الركبي لسبعة لاعبين في حزيران/يونيو الماضي، كما أنها استضافت بطولة العالم للألعاب الجامعية في مدينة كازان في تموز/يوليو الماضي.
غاي وباول
لكن الحالات الأبرز والتي زعزعت رياضة أم الألعاب تلك التي شملت عداءي السرعة الأميركي تايسون غاي والجامايكي اسافا باول صاحبي ثاني ورابع أفضل رقم في التاريخ في سباق 100 م على التوالي واللذان كانا يعتبران المنافسين الكبيرين للجامايكي الآخر أوساين بولت. وخضع غاي (30 عاما)، صاحب أفضل توقيت في سباق 100 م هذا العام (75ر9 ثوان)، لفحص الكشف عن المنشطات جاءت نتيجته إيجابية.
وواجه غاي، بطل العالم في 100 و200 والتتابع 4 مرات 100 م عام 2007، في بطولة العالم 2009 منافسة شديدة من بولت الذي تمكن من تحطيم الرقم القياسي للاميركي (69ر9 ث) مسجلا رقما عالميا جديد هو 58ر9 ثوان وخاطفا الذهبية تاركا له الفضية.
وفي بطولة 2011، لم يستطع غاي الثأر من الجامايكي بسبب إصابة في الخاصرة. وكانت بداية الموسم الحالي تؤشر إلى أنه سيثأر لنفسه بعد فشله في السنوات السابقة. وحقق غاي هذا الموسم أفضل ثلاثة أزمنة في سباق 100 م مسجلا 75ر9 ثوان في 21 حزيران/يونيو، و79ر9 ثوان في 4 تموز/يوليو، و86ر9 ثوان في 4 ايار/مايو، وثاني أفضل توقيت في سباق 200 م هو 74ر19 ثانية بفارق جزء واحد في المئة من الثانية عن رقم بولت. من جهته، تناول باول مواد منشطة نهاية حزيران/يونيو خلال تجارب اختيار منتخب جامايكا. وكشف باول (30 عاما)، الحاصل على ذهبية أولمبياد بكين 2008 في سباق التتابع 4 مرات 100 م مع منتخب بلاده، إن نتيجة الفحص الذي خضع له جاءت إيجابية، مشيرا إلى أنه تناول المادة المحظورة عن غير عمد. وقال رابع أسرع رجل في العالم (72ر9 ث في ايلول/سبتمبر 2008) «أريد أن أطمئن عائلتي وأصدقائي وأنصاري إني لم أتناول أي مادة محظورة عن عمد. لست غشاشا ولم أكن يوما كذلك. خطأي لم يكن في الغش وإنما في أني لم أكن أكثر يقظة». وباول هو واحد من 5 رياضيين بينهم 3 عدائين في مسافات السرعة ثبت تناولهم منشطات خلال اختبارات انتقاء المنتخب الجامايكي لمونديال 2013. والعداء الثالث هو نستا كارتر صاحب ذهبية سباق التتابع 4 مرات 100 م في اولمبيادي بكين ولندن 2012.
واعترفت شيرون سيمبسون صاحبة فضية 100 م في أولمبياد بكين أنها خضعت لفحص الكشف عن المنشطات كانت نتيجته إيجابية. ويتدرب باول وكارتر وسيمبسون معا داخل مجموعة «ام في بي تراك كلوب في جامايكا» بإشراف المدرب ستيفن فرانسيس. وانضم غاي وباول إلى قافلة كبيرة من 100 اسم في رياضة ألعاب القوى تناولوا مواد منشطة في طليعتهم الكندي بن جونسون (في أولمبياد سيول 1988)، ثم كرت السبحة لتشمل الأميركيين تيم مونتغومري وجاستن غاتلين وماريون جونز والبريطاني لينفورد كريستي والجامايكي يوهان بلايك، وجميعهم ممن احتلوا القمة وسجلوا أرقاما قياسية وحصدوا ميداليات أولمبية.
والشهر الماضي، أوقفت العداءة الجامايكية فيرونيكا كامبل براون بطلة العالم 2011 في 200 م وصاحبة ذهبيتي أولمبيادي أثينا (2004) وبكين (2008) في السباق ذاته، موقتا لارتباط اسمها بالمنشطات. وإذا كانت براون توجت بطلة للعالم (2011) والأولمبياد في بكين (2008) ولندن (2012) في سباق 200 م، فإن باول هو البطل الجامايكي غير المتوج في ألعاب القوى بين حقبتي ميرلين اوتي وأوساين بولت. ويعتبر باول الملقب بـ»السريع» العداء الأكثر نزولا تحت حاجز الـ10 ثوان في سباق 100 م، وهو ليس رجل بطولات وإنما رجل أرقام لأنه لم يحصل على أي لقب عالمي أو ذهبية أولمبية. وكان باول أول من كسر الهيمنة الأميركية على المسافات القصيرة عندما حطم الرقم القياسي لموريس غرين مسجلا 77ر9 ثوان عام 2005 ليصبح أول جامايكي يظفر بلقب أسرع رجل في العالم، ثم عادل هذا الرقم مرتين قبل أن ينزل به إلى 74ر9 عام 2007، لكنه انحنى أمام مواطنه بولت الذي سجل 72ر9 ثوان في ايار/مايو 2008. من جانبها، أصبحت براون عام 2004 أول بطلة في تاريخ جامايكا بإحرازها ذهبية 200 م في أولمبياد اثينا، ثم تكاثرت الأسماء المتوجة بعد 4 سنوات في أولمبياد بكين. ومنذ ذلك الحين، بدأت علامات الاستفهام تتزايد حول قضايا المنشطات في كينغستون. ففي 2009، تم استبعاد 4 عدائين من المشاركة في مونديال برلين بعد أن اجتازوا بنجاح اختبارات انتقاء المنتخب الجامايكي بينهم يوهان بلايك الذي توج بطلا للعالم في دايغو عام 2011 مستفيدا من خطأ في الانطلاق ارتكبه بولت. وتناول هؤلاء مادة محظورة تم كشفها خلال تجارب انتقاء المنتخب واوقفوا لمدة 3 أشهر بعد أن اعترفوا بفعلتهم.
وفي عام 2010، تم اصطياد شيلي آن فرايزر برايس، صاحبة ذهبية أولمبياد بكين في سباق 100 م (لم تسحب منها الذهبية) وأوقفت 6 أشهر بعد الأخذ في الاعتبار «الأسباب المخففة» إذ أكدت أنها استخدمت مادة ممنوعة للتخفيف من معاناتها من آلام الأسنان. لكن عموما قبل اكتشاف أمر باول و4 جامايكيين آخرين بينهم سيمبسون، سقطت أسماء أخرى. وإذا كانت هناك شكوك كبيرة وكثيرة تحيط بالعدائين الجامايكيين من الجنسين، فإن هناك من يفصل بين هؤلاء والفذ بولت الذي استمر تطوره باضطراد منذ أن كان ينافس في فئة الشباب. وبعد مونديال 2011 في دايغو الكورية، كشف فيكتور كونتي المدير السابق لمختبر «بالكو» الأميركي الذي كان وراء فضيحة عام 2004، لصحيفة لاغازيتا ديللو سبورت الإيطالية أن الجامايكيين استخدموا وصفته قبل أولمبياد 2008، بمن فيهم بولت الذي أحرز أولى ثلاثياته الذهبية في العاصمة الصينية. وقال «لا أملك البراهين القاطعة، لكن لدي شكوك كبيرة حول بولت والآخرين». وفي أوساط ألعاب القوى، كان النجم الأميركي السابق كارل لويس الوحيد الذي تجرأ على توجيه شكوك مباشرة لـ»الصاعقة الجامايكية» بولت، وقال خلال أولمبياد لندن 2012 «هناك أسئلة كثيرة تطرح حول عداء يسجل 03ر10 ثوان في عام و69ر9 ثوان في العام التالي». ورد الأيقونة الجامايكية الذي اعتبر نفسه مستهدفا بشكل مباشر، بطريقة جافة «كارل لويس، لقد فقدت كل احترام له».
واعتبر الاتحاد الدولي لألعاب القوى أن مصداقية أم الألعاب «تتعزز» في كل مرة يتم فيها اكتشاف حالة جديدة من حالات تناول المنشطات. وأوضح المتحدث باسم الاتحاد الدولي نيك ديفيس في تصريح لوكالة «فرانس برس»: «التزام الاتحاد الدولي في مجال مكافحة المنشطات في ألعاب القوى لا يتزعزع»، مضيفا «مصداقية برنامجنا لمكافحة المنشطات ورياضتنا ألعاب القوى يتعزز في كل مرة نكون فيها قادرين على اكتشاف حالات جديدة، ولدينا الدعم الكامل من جميع الرياضيين والمدربين والمسؤولين الذين يؤمنون برياضة نظيفة». وتابع «لدينا واجب أخلاقي نحو أغلب الرياضيين الذين يؤمنون برياضة نظيفة. ولذلك فمن أجلهم قمنا بوضع برنامج غني ومتطور في مجال الكشف عن المنشطات. قدرتنا على الكشف عن حالات المنشطات واستبعاد الرياضيين الذين خالفوا قوانيننا يجب أن تفهم بهذا المعنى». واعتبر رئيس الاتحاد الدولي السنغالي لامين دياك، أن حالات المنشطات التي كشفت مؤخرا «شديدة الضرر برياضتنا». وقال «بدأت الناس بالتشكيك. إننا نكافح هذا الآفة منذ 30 عاما. أنا سعيد بأمر واحد هو أن وكالات مكافحة المنشطات هي التي تكشف الرياضيين المتنشطين من خلال آلاف وآلاف الفحوص التي تجريها في المسابقات الرسمية وخارجها». وأضاف «أنا شخصيا تأثرت وحزنت جدا. إني أعرف تماما هذين العداءين خصوصا تايسون غاي الذي كنا سويا في رحلة العودة من أوساكا (اليابانية) بعد مونديال 2007». وكان غاي حصل على 3 ذهبيات في أوساكا في 100 و200 والتتابع 4 مرات 100 م. واعتبر دياك أيضا أنها «موضوع تربية واستعلام. إذا اقتصرنا على المراقبة والمعاقبة فلن نخرج أبدا من هذه المشكلة». وختم «هناك مصانع تنتج أشياء يتعين على الرياضي فهمها كما قال غاي إنه مسؤول عما هو موجود في جسمه».
من جهته، عبر الأوكراني سيرغي بوبكا، صاحب الأرقام القياسية في مسابقة القفز بالزانة (آخرها 14ر6 م) والمرشح لرئاسة اللجنة الأولمبية الدولية، عن رغبته في إطالة فترة إيقاف اللاعبين المتنشطين لتصل إلى 4 أعوام. وقال بوبكا (49 عاما) «لا يجب إيجاد الأعذار للذين يتناولون المنشطات. يجب رفع فترة الإيقاف من سنتين إلى 4 سنوات» في الانتهاك الأول لقوانين مكافحة المنشطات. وأضاف «يجب حماية الرياضيين الشرفاء. علينا استبعاد الغشاشين وهذا أمر مهم بالنسبة إلى الرياضة، وأكثر أهمية بالنسبة إلى الشباب ومصداقية الرياضة. يجب أن نكون حازمين وصارمين في موضوع مكافحة المنشطات».