|
الحمد لله الذي أرسَلَ رسولهُ بالهُدى ودين الحقِّ لِيُظهرهُ على الدِّينِ كلِّهِ وكفى بالله شهيداً، نحمده ونشكره، ونتوبُ إليه ونستغفره، ونثني عليهِ الخيرَ كُلَّه، تعظيمًا لشأنه وتمجيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إيمانًا وتوحيدا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله بين يَدَي السَّاعةِ بشيرًا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا، بَلَّغَ الرِّسالةَ، وأَدَّى الأمانة، ونصح الأُمَّةَ، وجاهد في الله حَقَّ جهاده حتى أتاه اليقين، أَيَّدَهُ اللهُ بالمعجزات الباهرة، والآياتِ الظاهرة، وتركنا على المَحَجَّةِ البيضاء، لَيْلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته ومن استَنَّ بسنَّتِهِ، واقتفى أَثَرَهُ إلى يومِ الدين، وسلم تسليمًا كثيراً.
إخواني: اتقوا الله تعالى تفوزوا وتفلحوا، واتبعوا سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- تَسعدوا وتَهتدوا، وبسيرته اعملوا، وبنهجه اقتدوا، تفوزوا وتفلحوا.
واعلموا أن السيرة العطرة لخير البرية، عليه من الله أفضلُ صلاةٍ وأزكى تحية، بما فيها من شمائل نبوية، ومعجزات محمدية، كلها معين صافٍ، وينبوع متدفق، يرتوي منه كلُّ من أراد السلامة والنجاة في الدارين.
إن حاجة الأمة الإسلامية اليوم إلى معرفة سيرة الحبيب المصطفى، والخليل المجتبى -صلى الله عليه وسلم- فوق كل حاجة، بل إن ضرورتها إلى ذلك فوق كل ضرورة، فكل من يرجو الله واليوم الآخر يجعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوته وأسوته، كما قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب:21).
وتأمل هديه -صلى الله عليه وسلم- في مجال الأخلاق تجده مثالُ الكمال في رِقَّةِ القلب، وسماحةِ اليد، وكفِّ الأذى، وبَذْلِ النَّدَى، وعِفَّةِ النَّفْس، واستقامةِ السيرة، كان -صلى الله عليه وسلم- دائم البشر، سهل الطبع، لَيِّن الجانب، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا صَخَّابٍ في الأسواق.
يقول أنس ت: «ما مسست بيدي ديباجًا ولا حريرًا أَلْيَنَ من كَفِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شممت رائحةً كانت أطيبَ من رائحةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولقد خدمتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عشرَ سنين، فما قال لي أُفٍّ قط، وما قال لشيءٍ صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟» (رواه البخاري).
ويقول عبد الله بن الحارث ت: «ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» (رواه أحمد والترمذي).
وفي الصحيحين عن أنس ت قال: «كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه بُرْدٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم-، قد أَثَّرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مُرْ لي من مالِ الله الذي عندك، فالتفت إليه -صلى الله عليه وسلم- فضحك، ثم أمر له بعطاء» (متفق عليه)، تلك -لَعَمْرُ الله- عراقة الخلال، وكريم الشمائل، فصلوات الله وسلامه عليه.
وانظر إلى صفحة أخرى من صفحات شمائله في الحرب والقوة، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- شجاعًا لا يعرف الخوف، مقدامًا لا يعرف التردد، يقول أنس رضي الله عنه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناسٌ قِبَلَ الصوت، فتلقاهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- راجعًا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرسٍ لأبي طلحه عُرْيٍ، في عنقه السيف، وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» (متفق عليه).
وقال علي رضي الله عنه: «كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه -صلى الله عليه وسلم-» (رواه أحمد).
وهكذا في معاملاته لأصحابه، وأهل بيته وزوجاته، وفي عبادته لربه، وفي نفقته وبذله، وحرصه على أداء رسالته، وتبليغ دعوة ربه تبارك وتعالى.
فهل يدرك المسلمون اليوم الطريقة المثلى لإحياء وقائع السيرة النبوية إحياءً عمليًّا حقيقيًّا، فخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب:21).
اللهم ارزقنا محبة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- واتِّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملَّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم اجمعنا به في جناتك جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، في جوارك يا رب العالمين، اللهم تقبل منا صالح الأعمال، وتجاوز عن الكثير من سيئات الأعمال، واجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، واجعلنا من عتقائك من النار يا رب العالمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الرحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج بوكالة الجامعة لشئون المعاهد العلمية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
a.m.alrayes@hotmail.com