تتابع أخوتي ومضوا لأمرٍ
علية تتابع القوم الخيارُ
حينما علمت بمرض زميلي الحبيب الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الخراشي - أبو محمد- أخذت أتابع بالسؤال عن صحته على فترات... علّ الله يشفيه وقد طال به المرض، وعندما كنت عائدا إلى منزلي بحريملاء بعد أداء الصلاة على أحد الإخوة فوجئت بهاتف نجله الأكبر المهندس محمد يبث نبأ وفاته في يومه الموعود يوم الخميس 24-9-1434هـ، ويعلم الله أني قد تأثرت وحزنت كثيراً على رحيله وبعده عن نواظر أسرته وعنا جميعاً - تغمده المولى بواسع رحمته - وقد طوح بي الخيال في تلك اللحظة المحزنة إلى تذكر تلقينا مبادئ العلم على يد مشايخنا الأجلاء: سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم وعلى أخيه الشيخ الفاضل عبداللطيف بن ابراهيم بمسجد الشيخ محمد بمحلة دخنة بعد صلاة الفجر مباشرة لدى الشيخ عبداللطيف نعرب الأمثلة على متن الآجرومية التي يطرحها فضيلته علينا وعلى طلاب العلم في عامي69 -1370هـ، ولا زال صوته العالي المميز مدوياً في أذني مجيباً للشيخ بقوله: عبدالرحمن الخراشي لأجل إعطائه المثال في النحو ليعربه، وحلقات المسجد تضم أعداداً كبيرة ،ولقد ولد في مدينة أشيقر في أواسط الخمسينيات، وقد بدأ دراسته الابتدائية بها ثم انتقل مع والديه إلى الرياض فأكمل الشهادة الابتدائية بها، وقد عاش بين أحضان والديه ومع إخوته، وبين أترابه وأقرانه في أجواء يسودها الهدوء والتآلف بين الأسر والجيران مما كان له بالغ الأثر في سماحة خلقه ولين جانبه مبكراً، وهذا هو شأنه وشأن إخوته وأسرته عموماً، فالبيئة الصالحة لها دور كبير في حسن سلوك الإنسان واستقامته في قابل حياته - فكل ميسر لما خلق له - وعند افتتاح المعهد العلمي بالرياض عام 1371هـ التحق به، ثم واصل الدراسة بكلية الشريعة حتى نال الشهادة العالية بها عام 1377هـ ويعتبر من ثاني دفعة في نفس الكلية، وقد أثر عنه الجد والمثابرة في التحصيل العلمي والأدبي وحسن التعامل مع معلميه ومع زملائه طيلة المراحل الدراسية فكله تواضع وأدب:
وأحسن أخلاق الفتى وأجلها
تواضعه للناس وهو رفيع
ولقد رشحه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم للقضاء لما توسم فيه السماحة والوقار والعلم الغزير فاعتذر مكرراً طلب إعفائه تورعاً، ثم عين مدرساً بالمعهد العلمي بالرياض فترة من الزمن بعد ذلك انتقل وعمل بوزارة الأوقاف في شؤون المساجد بالمنطقة الوسطى، واستمر في عمله بكل جد وإخلاص حتى تقاعد، ويعتبر من الرجال المثاليين خلقاً وعلماً.
تعامل مع الغير ومع أسرته وجيرانه وزملائه، فهو بشوش المحيا لين العريكة مع الصغير والكبير، فمعرفتي به منذ عام 1369هـ وشقيقه الأستاذ عبدالعزيز زميلي بالمعهد وبكلية اللغة العربية حيث تخرجنا سوياً عام 1378هـ، أما الشيخ عبدالرحمن فقبلنا بسنة واحدة حيث تخرج من كلية الشريعة بالرياض عام 1377هـ - كما أسلفنا آنفاً كما أن له مساهمات تطوعية في التدريس بأولى المدارس الليلية بمبنى المدرسة المحمدية بالرياض الواقع غربي محلة دخنه عام 1376هـ قبل تخرجه التي تبنى افتتاحها وتأسسيها الزميل الكريم محمد بن علي بن خميس بأمر من سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم مفتي الديار السعودية «آنذاك» وقد شارك معنا في التدريس نخبة من طلاب المعهد العلمي وكليتي الشريعة واللغة العربية احتسابا للأجر والمثوبة من رب العباد، فالمجال الآن لا يتسع لسرد أسمائهم فمعظمهم قد بات تحت طيات الثرى - رحمهم الله رحمة واسعة، أما شقيقهما الأصغر الدكتور سليمان استشاري كبير في طب العيون فالمعرفة به منذ طفولته بحكم تواصلي مع شقيقه وهو الآن طبيبي المفضل - متعه الله بكامل الصحة وصلاح العقب - فرحيل الشيخ عبدالرحمن سيحدث فراغاً واسعاً في محيطهم الأسري والاجتماعي لما يتمتع به من آراء صائبة وتوجيهات أبوية للناشئة بنين وبنات يستنيرون بها في حاضرهم وقابل حياتهم.
ولئن غاب عنا - أبو محمد - فإن ذكره الطيب باقٍ في نفوس محبيه، والعزاء في ذلك أنه قد خلف ذرية صالحة بنين وبنات تجدد ذكره الحسن، تغمده الله بواسع رحمته وألهم أهله وذويه وأبناءه وبناته وعقيلتيه وشقيقه الدكتور سليمان ومحبيه الصبر والسلوان.
وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى
حريملاء