في ظل انفتاح العالم على بعضه أصبحت المسؤولية الاجتماعية هدفاً مشتركاً بين المؤسسات الحكومية والخاصة، واتخذ الدعم الاجتماعي أنماطاً متعددة ووسائل مختلفة.
ولقد سرني الحراك الذي يشهده نادي الرياض الأدبي منذ ما ينيف على سبع سنوات، سواء أكان في نشاطاته الأدبية التي هي من صميم أهدافه، أم كان في اتساع أفقه وإشراكه كثيراً من النشاطات الجانبية في جدول أعماله، من خلال مبادراته ذات الأبعاد الاجتماعية، أو بالشراكة مع الجهات والمؤسسات الأخرى في تعزيز الوعي، وإعطاء الاهتمامات غير الأدبية مساحة غير قليلة في برامج النادي طيلة العام.
إن المبادرات الاجتماعية التي يقدمها النادي جديرة بالإشادة، وقد ذكر فيليب كوتلر في كتابه «المسؤولية الاجتماعية للشركات» ستة خيارات للمبادرات الاجتماعية، وهي: الترويج للقضايا، والتسويق المتصل بالقضايا، والتسويق الاجتماعي المؤسسي، والعطاء الخيري المؤسسي، والتطوع المجتمعي، وممارسات الأعمال المسؤولة اجتماعاً. ويبدو أن النادي استطاع جمع هذه الخيارات من خلال نشاط واحد، وهو إقامته معرضاً سنوياً للكتاب يعود ريعه لجمعية إنسان الخيرية، وكتب المعرض تأتي إلى النادي من خلال تبرع المثقفين ببعضها، وبعضها من إصدارات النادي، فيروج النادي من خلال المعرض لقضيته هو، وهي نشر الأدب والثقافة، كما يروج لجمعية إنسان أيضاً، إضافة إلى تسويقه تلك الكتب وانتقالها من قارئ إلى آخر عبر هذا المعرض المتصل بقضية النادي الرئيسة /الثقافة، ويسوق قضيته الاجتماعية/ دعم جمعية إنسان تسويقاً مؤسسياً، إضافة إلى أن ريع هذا المعرض يصب في صندوق الجمعية، وبحسب رأي فيليب كوتلر فإن عمل منسوبي النادي في هذا المعرض تطوّعٌ يشكرون عليه، فضلاً عن أن بعض مرتادي معرض الكتاب ربما جاء بدافع الرغبة في دعم الجمعية أولاً ثم الرغبة في اقتناء الكتب، وهذا كله يعني تفاعلاً بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
والجدير بالإشارة أن عملية المحاسبة تكون دقيقة جداً من خلال محاسب من جمعية إنسان بإيصالات يُعطى المشترون نسخاً منها.
وحين يرى أفراد المجتمع هذا الصرح الثقافي وهو يقوم بمسؤوليته الاجتماعية؛ فإن انجذابه إلى المسؤولية الاجتماعية وإلى النادي سيكون أشدّ؛ لأن من عادة الكثيرين أن يقتدوا بالأدباء والمثقفين، ومن شأن هذه المبادرة الاجتماعية أن تنفي عن المؤسسة الثقافية صفتي الجمود والانكفاء؛ إذ إنّ هذا الحراك والتفاعل الإنساني المسؤول هو الدور الحقيقي والمنتظر من المثقف والمؤسسة الثقافية، الذي يتجاوز المفهوم التقليدي للمؤسسة الثقافية والاتجاه السلبي اللذينِ أعاقاها سنوات ليست بالقليلة عن دورها الاجتماعي.
وإزاء هذه التجربة الاجتماعية للنادي فإني مع الإشادة بها أدعوه إلى توسيع الفائدة منها، وتوظيف البعد الاجتماعي والإنساني غير الربحي فيها لتكون ظاهرة ثقافية واجتماعية ذات حضورٍ أكبر، ولتحقق التسويق للنادي وأنشطته كما يرجو القائمون عليه، وتحقق للجمعية العائد المادي والتسويق في هذه الأوساط بشكل أفضل، وذلك من خلال إبعاد الكتب التي يعتقد عدم جدواها، وعرض أكبر ما يمكن من مطبوعات النادي، بالإضافة إلى مكاتبة المكتبات والناشرين للمشاركة في المعرض الخيري، وهو أمر لا يكلف هذه الجهات كثيرا، ويساعدها على القيام بواجباتها الاجتماعية، كما يمكن في هذا الإطار التعاون مع سائر الأندية الأدبية لتشارك بمطبوعاتها ولو باليسير منها دعما لهذا التوجه، واحتفاء بهذه المبادرة، وتعاضدا في أداء الرسالة الثقافية والاجتماعية للمؤسسة الثقافية على حد سواء.
يضاف إلى ذلك أن النادي منذ سنوات معدودة لم يجعل اهتمامه تنظيم أمسية شعرية أو طباعة كتاب نقدي فحسب، بل أصبح يقيم محاضرات في موضوعات غير أدبية، ويكثف من الدورات التدريبية في عدد من المجالات المهارية التي لا تهم المثقف وحده، بل عامة الناس كدورة الأخطاء اللغوية، وأخطاء الكتابة، وغيرها...، ويمنح على ضوئها شهادات حضور، ولقد سرني حين حضرت عدداً من الدورات التي أقامها أن رأيت أعمار الحاضرين ومناصبهم متفاوتة تفاوتاً مدهشاً، فهم بين أستاذ جامعي وطالب دراسات عليا وطالب تعليم عام، وبعضهم في المرحلة الابتدائية، وهو ما يعني أن النادي لم يَعُد نُخْبِياً منغلقاً على فئة واحدة، بل صار أكثر انفتاحاً وأكثر استيعاباً للأنشطة المختلفة.