مضامين السخرية في الشعر السعودي
وكما اختلف هؤلاء الشعراء الساخرون في الكثرة والقلة، فإنهم اختلفوا أيضاً في طريقة توظيفهم الفني للسخرية، ونوع التجارب الشعرية التي استثمروا السخرية ضمنها، فقد اتخذوا السخرية وسيلة للتعبير عما في نفوسهم من مشاعر وأفكار تجاه مواقف عديدة متباينة، منها ما يمس الجانب الذاتي ومنها ما يتصل بمصير الأمة ومنها ما يناقش مسألة اجتماعية بحتة، فتنوعت تبعاً لذلك أنواع السخرية في الشعر السعود ي إلى سخرية ذاتية، وسخرية اجتماعية، وسخرية سياسية.
1- السخرية الاجتماعية
توجه الشعراء السعوديون إلى الحديث عن هموم المجتمع وما يعتوره من مظاهر مختلفة بغية إظهارها ومعالجتها، وقد كانت السخرية أسلوباً بارزاً في معالجة هذه القضايا الاجتماعية.
ومن الأمثلة البارزة في هذا المجال ديوان أحمد قنديل الموسوم بـ «المركاز» فقد حوى العديد من الصور الاجتماعية، يقول -على سبيل المثال- من قصيدة بعنوان «آباء وأبناء»:
كنا نعود إلى البيوت ولم تزل
للشمس فضلتها التي لم تغرب
فإذا تأخر واحدٌ من بيننا
بعد الغروب فياله من مذنب
البيت كل البيت يفضل واقفاً
فعلاً على رجليه من فعل الصبي
فالأم ترجف والبنات وراءها
وبقية الأولاد خلف الموكب
وأبي يصرّخ والمداس مشرّعٌ
في كفه رمحاً كذيل العقرب
وبعد هذا الوصف لحال الأبناء في السابق حين يتأخرون عن موعد عودتهم للبيت، ينتقل الشاعر إلى الحاضر الذي يعيشه واصفاً مظاهر التغير:
واليوم لاولد يعود لبيته
في الموعد المتناسب المترتب
ولربما طلع الصباح وقد أتى
بالثندر المكشوف غير محجب
متمطعاً متفصعناً متسحلباً
في أوضة الأولاد زي الثعلب
فإذا تجرأت الولية أمه
بسؤاله سيجيب دون تردد
إني على كيفي أعود فجيلنا
حرٌ وليس كجيل بابا الطيب
وكذلك قصيدة أحمد عبدالغفور عطار حين عرض لبعض الأمراض الاجتماعية بأسلوب ساخر، وذلك حيث يقول:
وإن شئت الحياة جمي.. ـلة يسبيك مرآها
فنافق ما استطعت تكن.. عظيم القدر تياها
وكل بالكذب أموالاً.. لشعبٍ بات يسلاها
وعذّب من ترى حرا.. وأذلل من سما جاها
أخي عش مقبل الأيا.. م نذلاً إن ترد سعدا
ودع عنك الضمير فإنـ.. ـما هو بالردى أجدى
والسخرية تتضح من خلال نصحه بالاتصاف بهذه الصفات السيئة، والتي تضمن السعادة لصاحبها!
ولعل من أبرز القضايا الاجتماعية التي تناولها الشاعر الساخر: المشاكل الزوجية التي قد تحصل بين أي زوجين، حيث يسلط الضوء عليها بأسلوب ساخر فكه، وذلك مثل أحمد سالم باعطب في قصيدته التي بعنوان «الوليمة القاتلة» ويتحدث فيها عن حوار دار بينه وبين زوجته إذ أرادت أن تولم لصديقاتها ويأتي لها بما لذّ وطاب من الأطعمة كي تظهر أمامهن بمظهر حسن، فما كان منه إلا أن أجابها قائلاً:
قلت اصمتي فلقد جرحت ِمشاعري
وتركتِها مشلولة الحركات
و خنقتِ أغنية السعادة في فمي
وحجبتِ عن دربِ المنى نظراتي
بالأمس أشعلتِ المواقد من دمي
وملأتِ شاحنةً من الفضلات
وتركتِ شارعَنا يئن ويشتكي
مما تناسل فيه من حشرات
وباعطب شاعر ماهر في تصوير الحوار والهيئات، وهو يقدم لنا هذا كله من خلال مشهد ف فعلا وذلك مثل قوله:
جلست تبادلني الحديث عن الهوى
بعبارة نشوى وصوتٍ شيّق
وتعيد ألحاناً شدوت بها لها
عن صدق إحساسي وفرط تعلقي
وتمايلت كالطفل تمسح جبهتي
رفقاً وبالقبلات تروي مفرقي
فسرت بي الذكرى لأيام خلت
في حضن روضٍ للمحبة مورق
وتشجعت إذ أبصرتني سابحا
في لجة الذكرى أهيم بزورقي
قالت أتيت ولا إخالك مكسفي
ولديّ منك يمين عهدٍ موثق
لي مطلبٌ يزجي إلي سعادتي
هل أنت منجزه بوعدٍ مسبقِ
فصحوت من عبث الخيال وراعني
شبح المكيدة في الظلام المطبق
وجلست أفرك جبهتي مستلهماً
أملَ الخلاصِ من البلاء المحدقِ
وديوان حسن السبع يشتمل على العديد من القصائد التي تتناول الخلافات الزوجية المعتادة بأسلوب ساخر.
ومن الشعر الساخر الذي عُني بالمجتمع مقطوعة الصيرفي التي بعنوان: «الغلاء» وقصيدته «الشتاء»، وفيهما يسلط الضوء على قضية الغلاء بأسلوب مشوب بالحسرة على الماضي وبركته، يقول في قصيدة الشتاء:
رحم الإله زمان جدي ردّ لي
لمّا سألت عن الرخاء جوابا
إذ قال ياولدي بقرش واحدٍ
قد كنتُ آكل خبزةً وكبابا
وأفصّل الثوب الحرير ببشلك
وعلى العيال أوزع الأثوابا
أسفا على عهد الجديد لقد مضى
وغدا الجديد من الثياب عجابا
كيف السبيل إلى الريال وكسبه
وهو المليء مفاوزاً وهضابا
ومن النماذج على السخرية الاجتماعية أيضاً ما نجده عند خليل الفزيع حين يتحدث عن ظاهرة موجودة لدى بعض الشباب وهي متابعة الفتيات ومحاولة تعقبهن في الأسواق وغيرها مع ما قد يجدونه من تجاوب أحياناً، وذلك في قصيدة بعنوان «مغامرة فاشلة» يقول في بدايتها:
شاغلتني بعودها الخيزراني
وبقدٍ يميس في المهرجان
تتثنى بقدها وبغُنجٍ
وكلامٍ منغمٍ كالأغاني
فتقربت منها لعل سلاما
أو كلاماً يقود للعنوان
وقد كانت النتيجة مفاجئة له، ورادعة عن تكرار هذه السلوكيات غير المسؤولة وذلك حيث يقول:
بعد لأيٍ وبعد طول عنادٍ
كشفت لي عن وجهها الشيطاني
أي قبحٍ وأي وجهٍ أراه
والمساحيق فيه بالأطنان
تتصابى كما تصابت فتاةٌ
عمرها السبع فوقه ا زد ثمان
فهربتُ تبغي السلامة نفسي
وحلفت ألا أغامر ثاني
والقصيدة تسخر من هذا التصرف وتوجه عبرةً للشباب بطريق أبعد ما يكون عن المباشرة والوعظ الصريح.
يتبع