لا تزال حركة الإخوان المسلمين مستمرة في تصعيدها للوضع في مصر، ومستمرة في استدعاء الدعم الخارجي عبر وسائل الإعلام التي بعضها وضع نفسه أداة في الحراك الإخواني في المنطقة.
وباتت هذه الوسائل الإعلامية تشكل للإخوان أشبه ما يمكن تسميته بوزارة إعلام إخوانية تتحدث باسمها
وتنطق بلسانها وتتبنى وجهات نظرها وتعلن دائما عن مواقفها الرسمية، كما تبث كل صغيرة وكبيرة، وتطل من خلالها شخصيات إخوانية، وميادين وساحات تعج بالإخوان دون أن تعطي الأطراف الأخرى أي مساحة تذكر أو مواقف تعلن أو وجهات نظر تعكس اتجاهاتها المتباينة من مواقف الإخوان.
ونحن لسنا مع الإخوان كما لسنا مع أي مواقف اخرى، ولكن نحن مع التحولات الشعبية في الحياة المصرية التي رفضت حكم الإخوان خلال عام تقريبا وفشلت سلطتهم في احتواء مواقف ملايين المصريين، وهذا ما أدى إلى وقوع الأزمة التي نحن فيها إلى اليوم والتي نخشى على مصر منها.. الكثير قال إن الثورة المصرية في 25 يناير قد اختطفها الإخوان من شباب التحرير، بحكم دخولهم المتأخر إلى ميدان المعركة مع السلطة في ظرف وتداعيات ما قبل 25 يناير وما تبعه، ولكن في نظرنا أن الإخوان يظلون رغم ذلك جزءاً من التركيبة السياسية التي أفرزتها الثورة في مصر ضمن منظومة من الاتجاهات والمواقف والشرائح المجتمعية.
ولكن من المؤكد أن الطوائف غير الإخوانية شعرت بالغبن من الإخوان خلال فترة قصيرة، فقد حدثت ثلاثة مواقف على الأقل جعلت الأحزاب والشرائح المصرية الأخرى تعلن انفكاكها عن الإخوان وحكمهم وهذا ما أدى إلى ثورة مضادة في 30 يونيو تبعتها تظاهرات 26 يوليو التي أعلنت التفويض للجيش للخروج من الأزمة.. وأول هذه المواقف أن الإخوان أعلنوا أن جماعتهم لن ترشح أحداً للانتخابات الرئاسية ولكنها تراجعت وأعلنت مرشحها د. محمد مرسي؛ وثانيها: أن اللجنة الدستورية ستتشكل من كافة الأطياف السياسية ولن تشكل حركة الإخوان أو ممثلها السياسي حزب الحرية والعدالة أي أغلبية في اللجنة التي ستشكل الدستور، ولكنهم غبنوا باقي الأحزاب بترشيح 60% في اللجنة الدستورية من الإخوان، اتبعوهم بحوالي 15% من الحزب السلفي، مما يعني استحواذ 75% على اللجنة الدستورية وهذا ما أعطى الرئيس محمد مرسي صلاحيات استثنائية في الدستور أو كما يقول المصريون صلاحيات قيصرية لم يحظ بها أي رئيس جمهورية في العالم.. أما ثالث المواقف فهو إعلان الإخوان أنهم لن يصبحوا أغلبية في تشكيل الحكومة، ولكنهم حنثوا هذا الوعد وشكلوا الأغلبية، كما أن تعيينات مرسي للمحافظين شكلت أغلبية إخوانية أخرى.
ومن يقرأ السلوكيات الإخوانية يتعجب كثيرا سواء من داخل مصر أو من خارجها ففي الظاهر هناك مبادئ يتم التأكيد عليها دائما، ولكن في الخفاء تدور أمور غير متسمة مع مبادئهم المعلنة، هذا قبل استلام السلطة، أما بعد استلامها أو في مرحلة خطوات استلامها فقد ذهبت المبادئ أدراج الرياح.. وخير مثال في ذلك هو تعامل الإخوان مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت تشكل لهم الشيطان الأكبر وعدو المسلمين الأول ولكن موقف الإخوان تغير إلى 120 أو 180 درجة تقريبا.. فالجميع لا يعلم أن أول ما حرصت عليه حركة الإخوان خلال الانتخابات الرئاسية هو إرسال وفد حزبي رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة من كبار قيادات الإخوان المسلمين وعددهم ثلاثون وانضم لهم ستون من كبار الشخصيات الممثلة لهم الموجودة فى أمريكا وأوروبا وكندا وذلك بهدف تطمين أمريكا بشكل خاص أن الإخوان المسلمين ملتزمون بمعاهدات واتفاقيات الحكم السابق للرئيس حسني مبارك.. كما جاءت الطامة الكبرى في البرقية التي بعث بها الدكتور محمد مرسي إلى رئيس الكيان الإسرائيلي شمعون بيريز ووصفه بـ”عزيزي وصديقي العظيم” ونشرتها الصحف الإسرائيلية واعترفت بها الرئاسة المصرية، رغم تقليلها من شأنها كونها برقية بروتكولية، ولكن لا نرى أي داع أبداً إلى هذا التمجيد لرئيس إسرائيل حتى في هكذا برقيات.
في الوقت الراهن لا توجد إلا دولتان أو ثلاث لا تزال تؤيد استمرار الإخوان وعودتهم إلى الحكم مقابل أغلبية كبيرة داخل مصر تعارضهم، وهناك تكرار وعودة دائما أن الإخوان لا يكترثون لأحد ولا تهمهم إلا مصالحهم، وربما هذا ما دعا الجهاديين داخل السجون المصرية أثناء حكم مبارك وإلى اليوم إلى معارضتهم لأنهم لا يثقون فيهم وإلى وجود حزب إسلامي آخر سلفي لم ينضم إليهم في الحزبية السياسية.
وإذا عدنا للتاريخ نجد أن جمال البنا شقيق حسن البنا زعيم ومؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر قد نأى بنفسه من الانضمام إلى الحركة، لأن آليات اتخاذ القرار فيها مبني على مبدأ السمع والطاعة دون أي نقاش أو حوار مع أتباعهم ومرؤسيهم.. وربما هذا ما أدى حاليا إلى تنامي انشقاق شباب الإخوان عن القيادات الإخوانية التقليدية خلال الأسابيع الماضية..
alkarni@ksu.edu.saالمشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام - رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك خالد