لا أكتب عادة في زاويتي الرياضية مقالات بعيداً عن الرياضة وشئونها، رغم وجود العديد من المواضيع والقضايا الاجتماعية وذات الاهتمام المباشر والخاص وممارستي للكتابة غير الرياضيه في المجالات الأخرى بعيداً عن (الحاسة السادسة) بحكم العمل والوظيفة، واليوم أكتب لأول مرة عن موضوع غير رياضي في هذه الزاوية لأهميته الكبيرة من جهة، ومن جهة أخرى لمناسبته لهذه الأيام الفضيلة، وهو يتعلّق بإذاعة القرآن الكريم، تلك الإذاعة العريقة التي لها سنوات طويلة وهي تبث عبر الأثير وبموجات مختلفة، وهي التي يلجأ إليها الكثيرون عادة للاستماع إلى القراءات والتلاوات المختلفة لآيات الذكر الحكيم، وأيضاً الاستماع والتعرّف على بعض الفتاوى الدينية، وتصاحب الإذاعة عادة الكثيرين في تنقلاتهم بسياراتهم أو غيرها، بل إن هناك (بيوتا مطمئنة) لا تسمع في غرف منازلها غير هذه الإذاعة بتلاواتها وقرائها المتنوّعين وبرامجها الدينية المختلفة.
الأصل في إذاعة القرآن الكريم - من وجهة نظري - أنها مخصصة لبث المصاحف المسموعة لكبار الأئمة في الحرمين الشريفين وللقراء المعروفين المحليين وغيرهم من المجودين، مع تقديمها برامج دينية متنوّعة بهدف نشر (ثقافة القرآن الكريم) أو الثقافة الإسلامية، ولها برامج مشهورة جداً في ذلك وأيضاً برامج الفتاوى الدينية وآشهرها على الإطلاق برنامج (نور على الدرب) وبرنامج (سؤال على الهاتف) وهما من برامج الفتوى المعروفة والمسموعة جداً وغيرهما من البرامج الأخرى وعلى سبيل المثال برنامج دروس من الحرمين الشريفين وبرنامج ناشئ في رحاب القرآن وبرنامج قبس من السنة وغيرها، بالإضافة إلى رفع أذان الصلوات على الهواء مباشرة بتوقيت مكة المكرمة أو مسجلاً بتوقيت الرياض، مع نقل الصلوات الجهرية من المسجد الحرام وبالطبع نقل صلاتي التروايح والقيام من المسجد الحرام حياً على الهواء في شهر رمضان المبارك، ويظل الأساس في الإذاعة هو القرآن الكريم أو كما قلت (بث المصاحف المسموعة) وبنسبة لا تقل عن ثمانين في المئة من ساعات بثها المخصص يومياً، وإذا انخفضت النسبة فلا أعتقد أنها تصل إلى أقل من خمس وسبعين في المئة، وهو ما يحدث - مع الأسف - حسب متابعتي - هذه الأيام خلال شهر رمضان المبارك، فقد زادت كثيراً برامج (الكلام) التي تبثها الإذاعة وأصبحت تنافس التلاوات في بعض أوقات البث، خاصة أوقات الذروة في الاستماع خلال شهر رمضان المبارك، وتكاد أحياناً تأخذ وقتاً طويلاً وأنت تستمع في الإذاعة إلى برنامج (كلامي) حتى وإن كان يختص بمواضيع دينية، ويزيد الأمر سوءاً أن برنامجاً كلامياً ينتهي ويعقبه مباشرة برنامج كلامي آخر، دون أن يكون بينهما على الأقل (فاصل) من الاستماع لآيات بيِّنات من القرآن الكريم لأحد القراء، وأعتقد أن هذا أمر غير صحيح ولا مقبول و(يضايق) الكثيرين ممن يهربون من الإذاعات الأخرى الرياضية وغيرها إلى إذاعة القرآن الكريم وغرضهم وهدفهم الأول والرئيس هو الاستماع وتشنيف آذانهم بالقرآن الكريم وآيات بيّنات من كتاب الله الكريم، الأمر أصبح يتطلب إعادة النظر في هيكلة الإذاعة وبرامجهاوالعودة بها لتكون (إذاعة القرآن الكريم) وهي تصدح من أرض الحرمين الشريفين.
كلام مشفر
- برامج اللقاءت والحوارات والدعاة في الخارج التي تقدّمها إذاعة القرآن الكريم مطلوبة وأهدافها مقدَّرة غير أن ليس مناسباً أن تكون في أوقات ذروة الاستماع خاصة في شهر رمضان المبارك.
- وليس مستساغاً أن تكون لأزمنة طويلة ومتعاقبة ينتهي برنامج كلامي ويعقبه برنامج كلامي مباشر، وأقل شيء يُقال في ذلك أنه أمر غير مستقيم مع اسم وأهداف الإذاعة.
- حتى البرامج الدينية التي هدفها التثقيف تكون موغلة في التخصص بحيث لا يستفيد منها العامة ولأجل المثقفين، عندما تتحدث في مواضيع فقهية لا يفهمها إلا (طلبة العلم).
- وعلى سبيل المثال ماذا يستفيد المستمع العادي من برنامج يتحدث عن (تنقيح المناط وإخراج المناط) أو الحديث عن (السبر والتقسيم والتفريق بينهما)؟! أو حتى التفصيل إلى حد الملل عن البيوع وأنواعها ونحن في ذروة رمضان؟
- ويذكرني بعض برامج الإذاعة وموضوعاتها (صراحة) بمواد الفقه والتوحيد من قبل في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وبمواد الثقافة الإسلامية (الإجبارية) في الجامعات.
- يدرس الطلاب تلك المواد بمواضيع فيها تفصيلاتها وتفريعات عديدة ومتنوّعة ويحفظونها صم، ويختبرون وينجحون، ثم في حياتهم العامة لا يتعاملون معها ولا تلامس شيئاً من شؤونهم أو خصوصياتهم فلا يخرجون بفائدة منها إلا التعب.
- لا أطالب بوقف برامج الإذاعة الموغلة في التخصص مثل (قضايا فقهية) ولكن لا أرى أنها مناسبة لتكون برامج يومية (تستمع لها الأمهات والأميات في البيوت) وإنما لتكن أسبوعية مثلاً يلجأ إليها المتخصص الراغب فيها، وتعاد في أوقات معروفة لمن لم يتابعها.
-ففضلاً .. من فضلكم أعيدوا نسبة البث في إذاعة القرآن الكريم للقراءات والتلاوات المسموعة والسنة النبوية وبعض العلوم الدينية التي تلامس حياة العامة يومياً فهي في الأساس من وجهة نظري المتواضعة أنشئت لذلك.