«الرفق بالزوجات»
اللين والرفق والرحمة مطلب بين الناس، والرسول صلوات ربي وسلامه عليه قال «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شأنه»، وفي موضع آخر «من لا يَرحم لا يُرحم» والزوجات في شهر رمضان يعانين كثيراً، ويرهقن من أعباء العمل المنزلي، وهنّ يغصن في أعباء إعداد وجبات الإفطار، والعشاء، والسحور لأسرهم، وكلنا نعلم مدى الجهد الذي تبذله الزوجات من أجل هذا، وواجب الزوج أن يراعي ما تبذله الزوجة من جهد متواصل، ربما لا تجد إلا ساعات قليلة من النوم والراحة، لا تفي باستعادة نشاطها، لتبدأ عناء يوم جديد، مليء بالشغل، صحيح أن الزوجات على أجر ومثوبة من الله، لكني في هذه الخاطرة، أعلم بأن كثيراً من الأزواج لا تحلو لهم إلا «العزائم» في رمضان، فنجد بعضهم يعزم كل من يقابل، مرة على الإفطار، ومرة على السحور، ولا تجد الزوجات وقتا للقيام بواجب العبادة، والتلذذ بالصيام والقيام، وصلاة التراويح في المساجد المجاورة لمنازلهن، ولو علم هذا الزوج أو ذاك، أن رمضان ليس مخصصا للمناسبات والعزائم غير الضرورية، خاصة التي تضم أعدادا كبيرة، فالزوجة وبناتها إن كنّ لها بنات، يكفيهن عناء بيتهن وطلباته، فما بالك أن يضاف لهن أعباء أخرى، وأنا أتذكر رجلاً نجدياً قد صبغه البياض بحكمة الزمن قال لي «يا بني أنا لا أَعزم ولا أحب أن أُعزم في رمضان، فحلاوته قضاؤه مع عيالي في بيتي؛ لأنه شهر عبادة وهدوء» فيجب الحد من العزائم في رمضان غير الضرورية، لأنها مرهقة للزوجات، ولا تعطيهنّ فرصة للتلذذ بالعبادة والصيام، ولتكن من ضمن ما يجب على الأزواج ترشيده في رمضان على صعيد الأسرة، ترشيد المناسبات.
«رمضان والسهر»
لعل كثيرين غرّهم قول الشاعر عمر الخيام: «ما أطال النوم عمرا .. ولا قصّر في الأعمار طول السهر»، فانساقوا خلال شهر رمضان لتطبيق نصيحته بحذافيرها، وذلك بالسهر ليلا، لكنهم أضافوا وظيفة أخرى للنهار، بالنوم أكثر ساعاته، والأطباء والباحثون، حذّروا كثيراً من السهر وآثاره المرضية على صحة الإنسان، فضلا عن أن السهر سيحرم الصائم من التلذذ بصيامه، والإحساس بالتعب، والشعور بالجوع والشعور بمشقة العبادة، ولهذا قَال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسلَّمَ: «قَالَ اللَّه كُل عَمَل ابْنِ آدَمَ لَه إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، فصيام صائم وهو يخرج للعمل ويكد ويشقى، ليس مثل صيام من هو يقضي طيلة ساعات النهار نائماً، فكلاهما صائم، لكن الفارق في الإحساس بمشقة العبادة، فالشعور بما يشعر به من لا يجد طعاماً ولا شراباً، أحد أهم حِكم شهر الصيام، ولهذا نعود لمسألة السهر، والذي سيكون سبباً في التكاسل عن تأدية الصلوات، وعدم القدرة على أدائها في أوقاتها، تهاوناً، مما سيلجئهم توفيتها إلى جمعها في وقت واحد، بعد الاستيقاظ من النوم، الحقيقة المشكلة تحتاج إلى أن يلجأ الصائم إلى وضع نظام محدد له ولأسرته، فيتم تحديد الوقت الذي يأوون فيه إلى سررهم، حتى يتسنى لهم الإحساس بالنشاط، والقدرة على القيام بوظائفهم وتعبدهم، وعدم فوات أوقات الصلوات عليهم، والتوسط والاعتدال مطلبان ملحان في ليالي شهر رمضان، خاصة حينما يكون السهر في ليالي رمضان نوعاً من العبث وضياع الوقت، ورمضان موسم للخيرات والطاعات. وما أجمل أن نسترجع بيتين لشوقي قال فيهما:
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثانِ
«مساجدنا في رمضان»
من أجمل المشاهد التي يروي بها الصائم نظره ولا يشبع منها في شهر رمضان، مشهد مساجدنا، إذ إنها تعج بالمصلين، التالين للقرآن الكريم، الذاكرين له جلّ وعزّ في علاه، الراكعين الساجدين صغاراً وكباراً، ومشهد موائد تفطير الصائمين، خاصة لإخوتنا المسلمين من غير السعوديين، والتي يتجسد فيها كل معاني التراحم والتواصل والإيمان في هذا المشهد الكريم الذي يحمل معاني الجود والسخاء واللحمة، هذه الأجواء الإيمانية التي نفرح بها، ونملأ بها أنظارنا يشوهها «سلوكيات تصب في النزق الاجتماعي المقيت، من بعض المصلين وهي سلوكيات مستهجنة» من الذين يسيئون التصرف ولا يحسنونه، فأحيانا نجد أحد المصلين ما أن دخل المسجد حتى يذهب فورا دون أن يستأذن أحدا من الحاضرين بالمسجد ليطفئ جهاز «التكييف» لأنه لا يريده.
مشهد آخر عندما تجد مجموعة مصلين لا يحسنون وضع «أحذيتهم « -أجلّكم الله-؛ إلا أمام باب المسجد مباشرة فيتعثر فيها كل داخل وخارج للمسجد، وأحيانا تسمع من أصوات التجشؤ بأصوات عالية وتسمع التثاؤب بأصوات مفزعة تعقبها، والعطس، وتجد من يتكلم مع من يجاوره، وكأنه معهم خارج المسجد، ومن يفتش في جهاز الجوال، ومن يفتح قدميه عند بدء الصلاة، ثم حين تبدأ حركة الصلاة، تظهر الفراغات بين المصلين، ومن يحضر أطفاله الصغار ويدعهم يعبثون في المسجد يزعجون المصلين ويفسدون عليهم خشوعهم، فليت الناس في رمضان يتعلمون آداب المسجد ويلبسون على أنفسهم قدسية المكان في الخشوع والخضوع فهم في حضرة الرحمن الرحيم، وشهر رمضان فرصة ليتعلم الكثير من السلوكيات الصحيحة، حين يأتي إلى المسجد من لم يكن يأتيه قبل رمضان في كل فرض صلاة، حتى لا يُؤذي ولا يَؤذى ورضي الله عن علي يوم قال: «شرف المرء بالأدب، لا بالأصل والحسب».
«تفطير الصائمين عند الإشارات»
مظهر تفطير الناس عند إشارات المرور قبل أذان المغرب، يكاد هذا المشهد ألا يراه أحدنا إلا في بلادنا ولله الحمد والمنة، وهو مظهر إسلامي رائع، تتجلى فيه الروح الإسلامية السامية، التعاطف، التراحم، حب المساعدة بين المسلمين، الرغبة في كسب الأجر حب الخير وفعله، الجود، الكرم والسخاء، وقد يسال أحدنا «ما الذي يجعل هؤلاء الشباب في الشارع ومع الناس، من أجل تقديم وجبات خفيفة لتفطيرهم عند إشارات المرور، ويتركون طيلة الثلاثين يوما بيوتهم والجلوس مع أهليهم على سفر الإفطار؟» هنا أقول إنها نزعة الخير والصلاح والبذرة الطيبة في شباب البلد، وناس البلد وأهله، إذ تتجلى في صورة هؤلاء الشباب ومشهدهم وهم يقومون بتوزيع التمر والماء قبيل وقت أذان المغرب بزمن قليل، كل الصور الإيمانية، الإيثار، حب الخير، مساعدة الآخرين، صنع المعروف، وهي دروس إيمانية عظيمة لو يتأملها المرء، وقد سألت بعض هؤلاء الشباب ظنا مني أنهم جميعهم ينتمون لجمعيات خيرية، لأن الجمعيات تعد من الجهات التي تسهم في تفطير الصائمين السائرين، فعلمت أن بعضا من هؤلاء الشباب يحضر وجبة الإفطار على حسابه الخاص، وجلهّم من صغار السن، وبعضهم تقوم أسرهم بتشجيعهم وتوفير الوجبات، وتذكيرهم بواجبهم اليومي والذهاب إلى مواقع إشارات المرور، حقيقة ما يقوم به هؤلاء الشباب ليس إلا منهجا نبويا كريما علمّنا إياه، وأرسى قواعده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يتعاهد بيوت أصحابه عند غيابهم في الغزوات لمساعدتهم، حين يتفقد أوضاع أسرهم، فبورك في شبابنا، وما أصدق قول الفيلسوف المعري: «والخير يفعله الكريم بطبعه» فطبع أهل البلد الخير والطيبة،ولله الحمد والمنّة.
mfaya11@hotmail.com