1 - التنويريون هم هؤلاء الذين لديهم القدرة على الإدراك العميق بأن المجتمع في مأزق أو أزمة أو أنه يعيش في دوامة الخطأ في المفاهيم أو القيم الحياتية العملية منها والأخلاقية.. فيرفعون الصوت ويدعون إلى المكاشفة والوضوح ضد ما يرون أنه خطأ حتى وإن كان يتصادم مع السائد المعهود لدى المجتمع.. مما يعرضهم للنقد وربما يواجهون الصد العنيف الذي قد يصل إلى السجن والتعذيب والقتل.. ليس لأن المجتمع لا يريد التنوير والصعود والنمو.. بل لأنه لم يستطع استيعاب ما لم يعتده ويألفه منذ عهد الآباء والأجداد.. سواء على المستوى الفردي الاجتماعي أو على مستوى السلطة.
2 - سُمي التنويريون بذلك الاسم لأنهم تاريخياً ناهضوا حالات من التخلّف المجتمعي الذي أثّر في مفاهيم وقيم المجتمع وحوّل حياة أفراده إلى ظلام.. مما خَلَّف لدى أفراد المجتمع إحساساً بانسداد الأفق وانغلاق الحياة.. لذلك سُميت العصور والحقب التي عاشت مجتمعاتها هذه النوعية من الحياة بعصور الظلام.. وسُمي أولئك الذي يتوقون للنور أو حباهم الله القدرة على حمل مشاعل التنوير بالتنويريين.
3 - يقول التنويريون إن الظلام والتخلّف من صنع الإنسان لذلك فالتنوير هو أيضاً من صنع الإنسان.. وإن أي تصوّر أن التطور في الحياة يمكن أن يأتي من الطبيعة أو من أي مصدر آخر غير الإنسان ذاته هي حالة ظلامية تحتاج إلى تنوير.. فقد مرت الحياة الإنسانية بحقب تشكِّل فيها فكر إنسان تلك الحقبة بفكرها.. وآمن بها حد الاعتقاد الجازم.. ففي زمن البابليين كانت الحياة في نظرهم هي نتاج تلاقي الكواكب وتقاطعها.. وفي زمن قدماء المصريين كانت الحياة بالنسبة لهم هي نتاج قرار الإله الفرعون.. وفي زمن اليونانيين كانت الحياة خياراً مصنوعاً من قِبَل الآلهة.. فهي نتاج الصراعات الكبيرة والعنيفة بين تلك الآلهة.. وكانوا يؤمنون بتعدد الآلهة.. فللخير إله وللشر إله كما هو الحال بالنسبة للجمال والخصب وغيرها.. تلك الحقب الإنسانية مرت بفترات إصلاحية عظمى ممثلة في الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله تعالى.. وهؤلاء يعتبرون أعظم التنويريين.
4 - ويزيد التنويريون بقولهم إن الأشياء كل الأشياء خارج النفس البشرية هي نتائج.. أما ما هو داخل النفس البشرية فهو السبب وهو المسبّب.. وإن كل المعوقات التي يواجهها التنوير هي في شكلها الأساسي معوقات نابعة من الذات وليست آتية من الخارج.. وهي غالباً ناتجة عن شعور عميق بالدونية والعجز والنقص.. ودافع داخلي نحو الاستسلام نتيجة لفقدان الأمل.. إذاً وحسب رأي التنويريين فإن العائق الأكبر للتنوير هو الذات الداخلية للفرد التي هي الحصن الأكبر الذي إذا استطاع النور اختراقه أو تجاوزه فإن ما يليه أهون وأسهل.. فمواجهة قوى الظلام والمستفيدين منه حالة من الأخذ والرد.. وهذه نتيجتها في النهاية انتصار النور.