في هذه الأيَّام المباركة من كل عام تنتظر أُمَّة الإسلام في كافَّة أقطار المعمورة هلال شهر رمضان الفضيل بكل شوق وفرح وسعادة وعزيمة وسرور وبهجة بمقدم سيِّد الشهور.
شهر ميزه الباري عزَّ وجلَّ عن سائر الشّهور... بفضائل عدَّة وخصال مميزة عن باقي الشّهور والأيَّام شهر كريم وموسم عظيم.. يعظم الله فيه الأجر والثّواب.. ويجزل المواهب.. شهر تفتح فيه أبواب الخير والعطاء لكل راغب شهر تزداد فيه الخيرات والبركات والطاعات والعبادات شهر البر والإحسان شهر المنح والهبات شهر تضاعف فيه الحسنات.. الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النَّار.. شهر أوَّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النَّار.. شهر انزل فيه القرآن كريم.. كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر.. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) اخرجه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (الصُّوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم) اخرجه البخاري ومسلم.
وكما قال الباري عز وجل في محكم كتابه الكريم (( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) شهر انتصر فيه المسلمون... في أول غزوة في الإسلام تلك غزوة بدر الكبرى وكانت في السابع عشر من شهر رمضان المبارك. لقد حقق الله النصر للمسلمين في هذه الغزوة وهم قلَّة في العدد والعتاد.. على المشركين.. شهر فتح الله فيه مكَّة المكرَّمة للمسلمين فأخذ الناس بعد هذا الفتح العظيم يدخلون في دين الله افواجاً.. شهر وحد الله به المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فيما بينهم.. غنيهم وفقيرهم في أداء الصيام والقيام شهر تفتح فيه ابواب الجنَّة وتغلق ابواب النَّار وعن ابي هريرة رضي الله عنه.. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت ابواب الجنَّة وغلقت ابواب النَّار وصفدت الشياطين) متفق عليه.
شهر ينادي فيه مناد كل ليلة: (يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر اقصر).. شهر يولونه المسلمون أشد الاهتمام ويستعدون له تمام الاستعداد.. فهو للأمة ربيعها وللعبادات موسمها وللخيرات سوقها... فلا شهر أفضل للمؤمنين منه ولا عمل يفضل عملا فيه فهو بحق غنيمة المؤمنين. شهر كله موسم للتوبة والإقلاع من الذنوب والمعاصي التي أمر الله بها في قوله سبحانه وتعلى في محكم كتابه الكريم: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ورتب الله عليها الفوائد الدنيوية والأخروية قال سبحانه وتعالى:
(وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله).
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ} وهنا أحب الله التائبين بتوبتهم. قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وما أعظم فوائد التوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وما اكثر فوائدها الجميلة التي تعود على التائبين!!
من خلال ما سبق ذكره آنفا نجد أن هذه الاسباب والمسببات مجتمعة مما جعلت أمة الإسلام يفرحون بقدوم هذا الشهر الفضيل من كل عام، أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم سائر الأعمال الصالحة وأن يوفقنا في هذا الشهر المبارك للتوبة النصوح وان يصلح أحوال الأمة الإسلامية قاطبة إنه سميع مجيب.
