أحياناً أسأل المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي، عن أكثر الشعوب أنانية؟ أو بمعنى أخفّ، أي الشعوب التي لا يؤثر الإنسان فيها أخاه، فيبدي البعض أننا من أكثر الشعوب التي لا يؤثر فيها أحدنا الآخر، ومن أبسط الأمثلة منح حق العبور للآخر، وتتضح أكثر في قيادة السيارة، خاصة عند الدخول على الدوار، فيكثر التناحر والتنافس، وعدم منح السائق الآخر فرصة العبور بسلام، دون التنكيد والتضييق عليه!
ولنتقدم أكثر في مسألة الإيثار، باستعراض مدى قبول السعوديين فكرة العمل التطوعي، وهل ينتشر لدينا كما لدى الشعوب المتحضرة، خاصة أن العمل التطوعي تدفعه إرادة الإنسان وإيمانه ورغبته الخاصة في خدمة الآخرين من غير مقابل، والغريب أنه ينتشر لدى الدول الغربية رغم أننا نتهمها بأنها شعوب مادية، بينما نحن خلاف ذلك، لكن الواقع يقول إنه لن تجد سعودياً يعمل متطوعاً، دون أن يكون هدفه تثبيت أقدامه في وظيفة ما، بل يؤدي عملاً تطوعياً إنسانياً، لا يحدوه أي هدف مادي ونفعي سوى تقديم الخدمة للآخرين!
أدرك أن معظمكم سيعترض، وسيشير إلى موضوع البطالة، وأتفق تماماً في هذا الأمر، لكن أقصد هل يمكن أن يتقدّم موظف ما بطلب إجازة من عمله، ليبادر بعمل تطوّعي إنساني، هل نجد طبيباً يبادر من تلقاء نفسه للمشاركة في حملة علاج ضد وباء يظهر في الجنوب أو الشمال؟ كم من بيننا من يبادر بتنظيم السير لساعات عند الحوادث أو الاختناقات المرورية لحين قدوم رجل المرور؟ كم عدد الذين يخطون أماماً أكثر، ويتبرعون بأعضائهم كي ينقذوا مرضى على شفا الموت؟
كم نحتاج إلى تعزيز ثقافة إيثار الآخرين، وخصوصاً أنها جزء من ثقافتنا وموروثنا الإسلامي، بدءاً من احترام عبور الآخر في السيارة، وحتى التبرع بالأعضاء، خاصة بعد الوفاة.
ومن يعمل في القطاع الصحي يدرك قائمة المرضى الطويلة جداً، ممن ينتظرون متبرعين بأعضائهم بعد الوفاة، مثل التبرع بالكلى أو الكبد أو الرئة، فما أعظمه من أجر يناله المتبرع بعد وفاته، وهو يحافظ - بعد إرادة الله- على حياة إنسان آخر، وما أعظمه من عمل إنساني نبيل، تقرّه وتدعمه كل الأديان والتشريعات والمبادئ والمثل في مختلف الثقافات.