التغيير قد يكون من كلمة تنقل قائلها من ضيق الكفر إلى ساحة الإيمان، ومن الجحيم الدائم إلى جنة الخلد “قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله”، وبكلمة “قبلت” تصبح البنت زوجة على سنة الله ورسوله، وقد تنتهي حياة المرأة إلى كارثة جراء تلفظ زوجها بكلمة “الطلاق”، وقس على هذا كثير من مجريات حياة الناس.. يأتي التغيير فيها من مجرد كلمة، فضلاً عن الفعل المستند على الاعتقاد المستقر في القلب.. والقناعة عندي أن كل منا يمكن أن يكون عامل بناء وصمام أمان وقائدا من قادة التغيير الحضاري والمعرفي في المجتمع الذي يعيش فيه إن هو أراد ذلك، وكانت لديه القدرات والمهارات والمعارف اللازمة لإنجاز هذه المهمة المجتمعية الهامة.. ولعل من بين الأمثلة التي يمكن أن يسوقها الإنسان حين الحديث عن الجهود الرامية إلى التغيير الحضاري في المجتمعات العربية والإسلامية “خواطر” الأستاذ أحمد الشقيري منذ دورتها الأولى وحتى التاسعة، فقد أبدع هو وفريق العمل في استجلاب أفكار التغيير، وعقد المقارنات الحضارية، وسبر أغوار المجتمعات، وبيان الفارق الزمني بين عالمنا العربي “حضاريا” والعوالم الأخرى بأسلوب إعلامي شيق، وعلى قول أحد الزملاء لو كنا جادين في السعي للتقدم الحضاري لتوقفنا عند خواطر الشقيري في نسخته الأولى ولبدأنا التغيير الفعلي للرقي والتقدم والنهضة الحضارية المرتقبة ولكننا للأسف الشديد دائماً نكتفي بدور المتفرج، وقد نلعب معه دور المصفق والمشجع دون أن تتقد جذوة الرغبة الصادقة في أن نفعل شيئا، فالشكر لمن أبدع وتعب من أجل أن نرى نحن أين وكيف لنا أن نصل إلى ما عند الآخرين؟!.
وفي ذات السياق استطاع المهندس محمد العقل من خلال مكتبة جرير أن يسهم بجهد مبارك وعمل منظم وإدارة فذة في ترجمة ونشر سلسلة طويلة من الكتب المتخصصة في بناء الذات والفاعلة في التغيير والتطوير سواء على المستوى الشخصي أو في شرائح المجتمع بلا استثناء، وأكاد أجزم أن كثيراً من المدربين المتخصصين والدورات التطويرية والبرامج والندوات والمحاضرات التثقيفية التي تدعي وصلاً بالتغيير الفردي والمجتمعي هي في حقيقتها تعتمد كثيراً على منتجات جرير، وتستند فيما تقدمه على ما حصلت عليه من كتب صدرت من مكتبة جرير.
إن هذين المثالين دليل واضح على إمكانية كل منا أن يفعل شيئاً ويقدمه للمجتمع أنموذجاً للبناء والنهوض الحقيقي بعيداً عن المهاترات والصدامية التي شتتت جهود البعض منا، وجرتهم إلى معارك جانبية، وصرفتهم عن رسالتهم الحقيقية إلى دوائر عدة أضرت بهم كأشخاص وأفسدت رؤيتهم للأشياء وشتتت جهودهم هباء.
وحتى تتكاتف الجهود وتكثر المشاريع الابتكارية أرى من الضروري أن يعمل أصحاب المال جنباً إلى جنب مع رجال الفكر وملاك الموهبة وبهذا سنكون مؤهلين لإعداد جيل قادر على المقارعة والمنازلة الحضارية فهم من سيملك الفعل لا القول، ومن سيبادر لصناعة التغيير على أسس علمية وبأيد سعودية.
إن رسالة كل منا التي ندبه الله لها ذات شقين كل منهما مهم “العبادة، والعمارة” “...واستعمركم فيها...” وعمارة الأرض لن يقوم بها “المسمرون” الجامدون رغم تغير الزمان والمكان بل تحتاج إلى مجددين في الرؤية والوسيلة مع ثبات الغاية، وبهذا فقط يتحقق لنا السبق الحضاري ونكون بحق مؤهلين لشهادتنا على الأمم الأخرى، وحين نقوم بالمهمتين الواردتين أعلاه فستتحقق لنا الخيرية التي كتبها الله لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم-، ونص عليها في كتابه الكريم.
أعلم أن المسافة بين الأمنيات والواقع مسافة طويلة، ولكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، والخطوات في بلادنا بدأت ولكن من المهم أن ينتقل دورنا نحن الراصدين والمتابعين من الإعجاب إلى التنفيذ ومن التصفيق إلى التصديق حينها ستنتهي وتتفكك منظومة الفساد وترتفع راية القيم وسنكون في سلوكنا “ قرآناً يمشي على الأرض”.. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام،،،