السنة الهجرية التي أسس لها الفاروق رضي الله عنه، أحد العشرة المبشَّرين بالجنة، قبل 1433 سنة، كان إنجازاً عبقرياً يلبي حاجة المجتمع المتغيِّرة آنذاك، أدركها بعبقريته الفذة التي مدحه بها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله لم أر عبقرياً يفري فريه..
العالم اليوم أصبح يتسابق نحو التحول إلى الحكومة الإلكترونية ومع تزايد التطبيقات وأهمية الجدولة المستقبلية أصبحت الدقة والضبط من أهم فوائد الخدمة الإلكترونية عبر البرمجيات التي ترتكز على التقويم الميلادي فعلى سبيل المثال نجد مواعيد المستشفى يتم تحديدها بالتاريخ الميلادي الموافق للتاريخ الهجري ولكن في حالة حدوث تباين يكون التاريخ الميلادي هو المعتمد، كذلك حجوزات الطيران يتعذَّر تنظيمها بالتاريخ الهجري ويجب أن تكون بالتاريخ الميلادي في كل الحالات، وأيضاً حجوزات الفنادق تتطلب الدقة المتناهية فيستخدم التقويم الميلادي للحجز مع تقييده بمدة محددة سلفاً تنتهي بالساعة والتاريخ الميلادي تمنح المستأجر فرصة إلغاء أو تعديل موعد حجزه خلالها أو سيقوم نظام الحجز تلقائياً بخصم إيجار الغرفة من بطاقته الائتمانية المسجلة في النظام ساعة انتهاء المدة المحددة، كذلك بطاقة الائتمان والصراف تنتهي صلاحيتها بالتاريخ الميلادي وسائر الأعمال البنكية والبورصة يتم تنفيذها حسب التاريخ الميلادي، وبسبب التطبيقات الإلكترونية أصبح جل الخدمات والأعمال المعاصرة يتم برمجتها حسب التقويم الميلادي وفي هذا السياق أهمية اعتماد التقويم الميلادي في عقود التوظيف لما يترتب عليه زيادة في الأيام قدرها 11 يوماً عن السنة الهجرية قد تصل في تراكمها بحلول نهاية الخدمة النظامية لأكثر من سنة عمل، ويتعيَّن أن تصب فائدتها في مصلحة الطرف الثاني من طرفي عقد العمل.
الواقع المشهود أن التقويم الهجري في حياتنا المعاصرة أصبح إرشادي ويجب اقترانه دائماً بالموافق من التاريخ الميلادي، نتج عنه ابتكار برمجيات حاسوبية تنفذ عملية التحويل الفوري من التاريخ الهجري التقريبي إلى الميلادي المضبوط وبالعكس.
هناك قامات علمية مشهودة تدرس أبناؤنا وبناتنا علوم الفلك في مختلف المدارس والجامعات وتنادي بتوظيف تقنيات العلم الحديث لخدمة الدين؛ على سبيل المثال استعمال الحساب الفلكي لتحديد إحداثيات مكان وزمان ولادة هلال رمضان وشوال والحج، ومن ثم خروج فريق من الشهود العدول إلى الفضاء استناداً على تلك البيانات الحسابية لتحرّي رؤية الهلال استيفاء للمسوغات الشرعية، بل إن استيفاء شرط الرؤية يمكن أن يكون بأكثر من ذلك باستئجار طائرة خاصة وصعود فريق الرؤية العدول على متنها والتحليق عالياً فوق هام السحب لمشاهدة ولادة الهلال، وليس ذلك غريباً في أعمال الرصد الفلكي والمناخي، فنحن أولى بتوظيف الوسائل العصرية لخدمة إسلامنا من تلك الهيئات الأوروبية والأمريكية واليابانية التي توظّف طائرات خاصة مجهزه تقنياً تقوم برحلات إلى عمق الإضرابات المناخية لإجراء القياسات وجمع البيانات طوال العام وتقديمها للعلماء لدراستها ومشاطرة نتائجها مع مختلف شعوب العالم وفي مقدمتهم السعودية.
الخلاصة يتعيّن علينا الاعتراف أننا نعيش في وسط دوامة من المتغيِّرات لن نستطيع التصدي لرياحها، أو بعبارة أخرى أن التغيير أصبح بمثابة ناموس من نواميس الكون، وأن أسلوب الحياة للأيام الخالية لن يعود، وعلينا الاعتراف أن معدل التغيير أصبح من السرعة بمكان بحيث نجد صعوبة في التكيّف مع هذه المتغيِّرات تدريجياً، لذا فمن الحكمة أن نكف عن مقاومته، ونغرس في أنفسنا خصلة الترحيب به، والمستقبل سيكون ملكاً لهؤلاء الذين يدرسون احتمالات التغيير القادمة، ويرسمون الخطط المناسبة للتعامل معه، ولن يكون بمقدورنا السيطرة على عملية التغيير بالكامل، فذلك مستحيل، ولكن بإمكاننا إدارة شؤون حياتنا في ظل هذه المتغيِّرات لتكون آثارها تدريجية وتمر عبر فترة زمنية مختارة واقعية، يمكن خلالها، ترويض أنفسنا لقبول التغيير.
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji