قامت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات مطلع هذا الشهر بتوجيه شركات الاتصالات في المملكة بحجب تطبيق (Viber), حيث لم تستجب (شركة فايبر ميديا) للمتطلبات الأمنية للهيئة، وفي هذه الأيام يثار في الإعلام الأمريكي أن هيئة الأمن الوطني (NSA) - وهي مؤسسة مخابرات تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية وتختص بتتبع التشفير - تقوم بتسجيل ما يقارب (1.7) بليون اتصال تتمثل في بريد إلكتروني ومكالمات هاتفية ورسائل قصيرة، وأنها سجلت حتى الآن ما يقارب (20) ترليون اتصال تشمل اتصالات لمواطنين أمريكيين، هذا التوجه لتسجيل الاتصالات وتفكيك تشفيرها بات هم يشغل معظم دول العالم، وباتت شركات تقنية الاتصالات تواجه خطر الحظر إذ لم تستجب للمتطلبات الأمنية لتلك الحكومات، هذا الأمر يمثل هاجساً مقلقاً للناس من انكشاف اتصالاتهم التي لا تمثل تهديداً أمنيا، وتمس مصالحهم وشؤونهم الشخصية، وكون المشرفين على اعتراض الاتصالات وتسجيلها وتحليل محتوياتها هم أناس لهم أهواء ومصالح ربما يسعون بما يتعرفون عليه لتشكيل سلطة وتحقيق مكاسب، وفي جانب آخر هناك خوف من تنامي تدخل الحكومات في الشؤون الشخصية للناس وكون ذلك يمثل خرقاً لحقوق المواطنين في الخصوصية التي تضمنها دساتير الدول.
اليوم، الجدال يستعر بين شركات تقنية الاتصالات التي تتمسك بحقها في حماية حقوق عملائها بالخصوصية وبين الحكومات التي ترى أن تلك الشركات باتت تتقمص دوراً سيادياً بما تقدمه من خدمات لقطاع كبير من الناس، هذا الجدال أصبح أكثر من جدال فالحكومات تدعي أن شركات الاتصالات تحتفظ بسجلات شخصية لعملائها وعليها أن تقدم تلك السجلات للحكومات وخصوصا تلك المتعلقة بمواطنيها، وكون هذه الشركات هي مواطنة لبلدان أخرى وتمتثل لقوانين دولها التي ربما تجبرها على منحها معلومات تتعلق بمواطني دول أخرى وتهدد أمنها الوطني، لذا عمدت دول عدة لمنع شركات التقنية من تسجيل بيانات محددة. أو أن تسجل تلك البيانات في مراكز حاسوبية داخل الدولة المعنية بحيث تتيح للسلطات الاطلاع المباشر على تلك البيانات.
هاجس الأمن الذي يقلق الحكومات وهاجس الخصوصية الذي يقلق الناس وهاجس خدمة العملاء الذي يقلق شركات تقنية الاتصالات، هذه الهواجس هي الدافع لبروز تقنيات مختلفة وربما متصارعة في محاولة الاستجابة للقلق المزمن، فالاتصالات بين الناس تزداد كل يوم سواء كانت نصية أو صوتية أو صورية أو فيديو, وتتجاوز مئات البليونات يوميا»، واعتراضها أو تسجيلها وتحليلها يمثل تحديا تقنيا هائلاً، فاللغات مختلفة والشفرات متعددة، وسيزداد الضغط الشعبي من خلال مؤسسات المجتمع المدني لوضع قوانين صارمة تحكم تداول وتسجيل الاتصالات بصورة عامة، لذا سنرى في المستقبل جهوداً كبيرة تبذل في سبيل التخفيف من تلك الهواجس. ربما سيكون من هذه التقنيات ما يتعرف بصورة آلية على الاتصالات الحساسة للأمن وتسجيلها دون غيرها من حديث الناس، وربما سيكون هناك تقنية تتبع اتصالات شخصيات محددة يظن فيها تهديد الأمن وإهمال غيرهم.
القادم مذهل في علم الاتصالات وتقنية المعلومات، فنحن أمام تمكين هائل للإنسان الفرد بما ينتج من تقنيات وأجهزة وآلات وهو ما سيمثل تحدياً لمفهوم الحكومة المسيطرة، وحيث تتمتع الحكومات بالموارد المالية الكبيرة فستسعى لتتمكن من تقنيات تجعلها أكثرسيطرة أو ربما أكثر تجانساً مع متطلبات الناس ونرى في المستقبل الحكومة الخدمية التي تسعى لرضا المواطنين بحكم كونهم عملاء لا كونهم رعية.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail