العمل الإداري بمؤسسة ضخمة كوزارة الصحة عبارة عن حلقات ودوائر متشابكة ومتداخلة، تحتاج دائماً القائد الذي يوظفها لتشكل فرقة ذات أداء متجانس، وقد حاولت تأمل تلك الدوائر من الخارج، فوجدت كثيراً منها يعاني من صعوبات ولكن الفترة الماضية كشفت الغطاء عن أحد أضعف تلك الحلقات فأبانتها في حالة وهن وعدم تركيز. حيث بدت وكأنها غير مدركة الفرق بين العمل في مجال أكاديمي تنظيري وبين العمل في المجال الخدمي الصحي. بين العمل في مؤسسة صحية وبين العمل في وزارة على مستوى الوطن. بين أن تظهر في المواقف الحاسمة أمام عملائك المستفيدين من الخدمات الصحية وهم هنا المواطنون وبين أن تختبئ وتهتم فقط بدائرة أصدقائك في الجامعات والمؤسسات الأجنبية.
يؤسفني أن أقول: إن الحلقة الأضعف التي أسهمت في إحراج وزارة الصحة وقياداتها المختلفة تتمثل في وكالة الصحة العامة المعنية بالوقاية والأمراض المعدية والرعاية الأولية، فعلى مستوى الرعاية الأولية لم تقدم وكالة الوزارة المعنية أية رؤية أو فكر أو إنجاز يذكر، رغم أن قيادة وزارة الصحة وإستراتيجيتها وجل تصريحات مسؤوليها تتحدث عن الرعاية الأولية وأهميتها. المنجز متواضع ولا يخرج عن النمطية التقليدية المتمثلة في إنشاء بعض المراكز الجديدة وأقصد إنشاء المباني، وباقي العمل في هذا الموضوع لا يتجاوز (عك) تنظيريا أكاديميا لا يعني شيئاً للمواطن المستفيد من الخدمة.
أما الإحراج الأكبر للوزارة فقد جاء في قضية نقل الدم الملوث بجازان، وقدكشف ضعف سياسات بنوك الدم و التعامل مع الأمراض المعدية بما فيها الإيدز. لم تستفق الوزارة والبلد من تلك الكارثة حتى ظهرت مشكلة كورونا في منطقة الأحساء ورغم عدد الوفيات والفترة الزمنية، إلا أن وزارة الصحة ممثلة في وكالتها المعنية تخيب أملنا في التعاطي مع الوضع وتفاصيله. فبدلاً من العمل على طمأنتنا بتقديم المعلومات الواضحة والتي يطلبها أي متابع علمي للموضوع، والتي ينشدها المواطن بصفة عامة، تفرغ القياديين بكتابة الأوراق العلمية لتضخيم سيرهم الذاتية وكأنهم في حالة رفاه وليس استنفارا تستوجبه الحالة.
هناك برنامج معروف يسمى الحلقة الأضعف (The Weakest link) وفكرته تتلخص في تصويت أعضاء الفريق المتسابق على إسقاط أحدهم وإبعاده من المنافسة باعتباره يشكل الحلقة الأضعف في الفريق وحفاظاً على قوة الفريق. فهل نرى وزارة الصحة تتخلص من حلقتها الأضعف وتستقطب من هو أفضل وأقدر على قيادة أهم وكالة لديها، وكالة الصحة العامة؛ الوكالة الأهم في الوزارة و المعنية بالطب الوقائي والأمراض المعدية والرعاية الأولية والبنك المركزي؟ هل تدرك الوزارة أن عزل مدير مختبر أو مدير شؤون صحية ليس كافياً لتصحيح التصدعات الحاصلة في قطاعات هذه الوكالة ما لم يكن التغيير في مستويات أعلى؟ هل تدرك وزارة الصحة بأن التنظير الأكاديمي ليس مجالا لتقييم إنجاز مسؤوليها، وإنما الإنجاز هو ما يحدث في أرض الميدان من تحسن يدركه المواطن والمقيم المعني بالخدمة الصحية؟ هل يدرك قياديو وزارة الصحة بأن نجاح أداء وزارتهم يبدأ من تحقيق الفارق الإيجابي في وكالة الصحة العامة، وبأن فشل الصحة العامة ومكوناتها حسب هيكل الوزارة التنظيمي كان سبباً لسقوط قيادات صحية سابقة؟
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm