شهد يوم السبت الماضي هبوطاً حاداً للسوق المالي السعودي وصل إلى أربعة بالمئة وذلك بسبب مخاوف جيوسياسية وتحديداً ما يخص الوضع الكارثي بسوريا، فالتطورات التي أتت بنهاية الأسبوع الماضي من تغيير بالمواقف الدولية نحو سوريا أعطت انطباعاً وكأن حرباً دولية ستبدأ ضد النظام السوري، ولكن السوق عاود الارتفاع مجدداً بعد أن استوعب المتداولون الأخبار وقيموها بصورة أكثر وضوحاً ولكن بعد أن قاموا ببيوع جماعية لم تراع التقييم المالي للسوق عامة والفرص الموجودة فيه وقد يكون تطبيق قاعدة رأس المال جباناً هو الذي ساد تداولات السبت، لكنه بذات الوقت افتقر كالعادة للمنطق الصحيح بالتعامل مع الأسواق لكن ما حدث يعيد مجدداً فتح الحديث عن الأسباب التي تنعكس على السوق المالي بحالات هبوط عنيفة بين فترة وأخرى ولعل أبرز الأسباب هو أن المتداولين الأفراد يشكلون السواد الأعظم من حجم تداولات السوق، وهذا بدوره كفيل بأن تتكرر مثل هذه التقلبات الحادة إذ لا يمكن للفرد أن يقيم الوضع أو الأخبار سواء كانت سياسية أو اقتصادية كما تفعل المؤسسات المالية او المحترفين عموماً ولهم عذرهم مع غياب الثقافة الاستثمارية وكذلك مصادر المعلومات وتحليلها وتقييم آثارها إلا أن ما يجب العودة له هو إعادة هيكلة مصادر السيولة ونسب التأثير فيها مابين أفراد ومؤسسات فبقاء سيطرة الافراد بنسبة كبيرة على التعاملات سيكرر هذا الهبوط الجماعي مرات ومرات قادمة -لاسمح الله- وإذا كان السوق المالي شهد ويشهد تطورات تنظيمية ويحتوي على شركات جزء كبير منها ذوقيمة استثمارية جيدة أو ممتازة إلا أن ذلك بالنهاية يخضع لرأي الفرد الذي قد يغير رأيه عند أول إشاعة أو خبر لا يقوم بتقييمه بالحجم المناسب وهنا المطالبة ليست بتقليص عدد الأفراد المتعاملين بالسوق بل برفع نسبة وتأثير الاستثمار المؤسسي وهنا لابد للجهات المعنية بالسوق المالي أن تعالج هذا الواقع بالوقوف على كل ما يعيقه كتعديل أو تطوير للأنظمة واللوائح التي قد يكون فيها ما يعيق تطوير دور المؤسسات المالية وهذا يتطلب إعادة دراسة كل ما ينظم عمل هذه المؤسسات وما تحتاجه لتاخذ زمام المبادرة والقيادة للسوق وإدخال أدوات ومنتجات مالية تساهم بضبط حركة السوق وطرق واليات تمويل أنشطتها والنظر برؤوس أاموالها ومدى كفايتها كما أن لإقرار نظام صانع السوق والذي يتيح للمؤسسات دور أكبر بحركة الشركات وعلاقاتها مع المتداولين سيكوله دور إضافي جيد لإيجاد أرضية تساهم باستقرار حركة السوق بالإضافة للسماح للشركات بشراء أسهمها وهو ما يفتح نافذة لسيولة تصنف استثمارية تساعد على إيجاد توازنات بحركة الأسهم ويربط مجالس الإدارات أكثر بأسهم شركاتهم مع الإسراع بفتح السوق أمام الاستثمار الأجنبي المباشر المؤسسي ليكون رافداً جديداً للسيولة المؤسساتية إن عدم اتخاذ خطوات متلاحقة وبفترة زمنية قصيرة لمعالجة الخلل بمصادر السيولة المحركة للسوق وتغيير نسب المؤثرين من أفراد إلى مؤسسات بتدرج متسارع فإن الوضع العام لن يتغير وسيبقى السوق المالي عرضة لهذه التقلبات الحادة والتي تزعزع الثقة به التي لم تصل للمرحلة المطلوبة أصلاً بعد سلسلة الانهيارات بالسوق منذ العام 2006م وبدون هيكلة للسيولة وأدواتها ومصادرها والمؤثرين فيها ستبقى كل القيم الاستثمارية والأنظمة واللوائح محدودة الأثر ولن تظهر أهميتها لأن العالبية يتعامل مع السوق بمنطق القرار الفردي الذي يميل للعاطفة وتأثيرات ألوان الشاشة أكثر من القيم الجوهرية التي يبنى عليها القرار الاستثماري وحتى المضاربي بالأسواق المالية.