في كثير من الأحيان يُعدُّ اتِّخاذ القرار والتمسُّك به صفة جيدة، خصوصًا إذا كان القرار مصيريًا ويترتَّب عليه منفعة، كما أنَّه من الحكمة بمكان العدول عن القرار حتَّى وإن كان صائبًا لتحقيق أقل خسائر أو تحقيق أكثر منفعة، وهذا لربما ينطبق على قرار تقليص وقت دخول الشاحنات إلى مدينة الرياض وجارٍ العمل به حاليًّا.

الذي يسير في الطَّريق الدائري وخريص بل وداخل الأحياء أحيانًا بعد السَّاعة 11 ليلاً يعيش حالة من الرعب في رحلة محفوفة بالكثير من المخاطر بسبب إطلاق سراح تلك الكتل الحديدة المسعورة كثرة وسرعة وفي وقت واحد وغالبية سائقيها لا يعبأون بالسيَّارات الصَّغيرة، معتقدين أنَّه على الجميع تجنَّب الاقتراب من مركباتهم، ولا يلتزمون بأيِّ قواعد مرورية، ليتعاظم خطرها أكثر من السابق.

قبل القرار لم تكن هناك مشاهد واضحة على كلٍّ هذه الفوضى التي تسببها الشاحنات حاليًا داخل المدينة، على اعتبار أن وقت تحركها في السابق كان أوسع ولديها مدة أطول فيتوزع دخولها ـ أيّ الشاحنات ـ في أوقات متفاوتة بِشَكلٍّ منفرد وليس جماعيًّا بهذا الشكل المخيف وبالتالي لم يكن ملاحظًا بهذه الصُّورة التي بدأنا نعيش رعبها كل يوم.

لا اتهم القرار بالفشل بقدر ما اعتقد أن سلبياته أكثر من إيجابياته، حتَّى وإن كانت إدارة المرور ترى غير ذلك، والدَّليل أن الاختناقات المرورية لا تزال واقعًا وأن جميع الحوادث والكوارث التي وقعت أخيرًا كانت بسبب قرار منع دخول الشاحنات وتراكمها على مداخل المدينة، من منّا لا يتذكّر كارثة ناقلة الغاز التي راح ضحيتها الغالي من الأرواح والممتلكات، وكذلك حوادث احتراق شاحنات الوقود التي أصبحنا نسمع عنها كل يوم مرورًا بالزَّحَامِ والأضرار الجسيمة التي أصبحت تقع كل يوم، إما بالطرق وإما باصطدامها بالسيَّارات الصَّغيرة عند التقاطعات وإشارات المرور وهي تحمل على متنها عشرات الأطنان، إلى جانب ما تسبب به هذا القرار من رفع أسعار الشحن بنسبة 100 في المئة، بعدما أصبحت مدينة الرياض وجهة غير مرغوبة لدى الناقلين، وفوق ذلك كلّّه انصرفت دوريات المرور للتمركز في مداخل المدينة ومنع الشاحنات من الدخول ورصد المخالفات لها وغابت بِشَكلٍّ شبه تام عن صلب عملها في شوارعنا وتنظيم حركة السير.. فلم نعد نرى دورية مرور إلا نادرًا.

بل إن الأدهى والأمر من ذلك تعمَّد التحايل من قبل الكثير من قائدي الشاحنات واستهتارهم في سلك طرق فرعية بديلة بين الأحياء السكنية والتنقل بين الحارات ومزاحمة السيَّارات والدخول في مسارات ضيقة إلى أن تصل إلى مبتغاها وتفريغ حمولتها في المستودع الذي تقصده رغم عن أنف الحظر.. ولسان حال النَّاس تردَّد «جاء يكحلها عماها».

أرى أنَّه من المنطق أن يعيد المرور حساباته في هذا القرار في ظلِّ عدم وجود طرق بديلة خاصة بالشاحنات، قبل أن تقع لنا كارثة إضافية ـ لا سمح الله ـ ومِنْ ثمَّ يبدأ التحرُّك لإصدار قرارات جديدة، لقد بلغ الوضع حد المخاطرة بحياة الناس، فالشاحنات الكبيرة أصبحت كابوسًا يؤرّقنا جميعًا.