هل الثقافة المنوعة أهم من الثقافة المتخصصة أم العكس؟
سؤال يتبادر إلى ذهن أي منا ولكن الجواب عنه بصورة حاسمة غير ممكن، فنحن بحاجة إلى الثقافتين معاً، وبدرجة تكاد تكون متعادلة ومع أن حاجتنا إلى الثقافة المتخصصة أصبحت في تزايد مستمر، نظراً لازدياد تشعب المعارف والعلوم وتفرعها إلى تخصصات دقيقة، تماشياً مع تطور العلوم الحديثة، فإن حاجتنا إلى الثقافة المنوعة أيضاً أخذت تتنامى بسبب النظرة التكاملية الحديثة نحو العلوم التي ترى أن العلوم المختلفة مترابطة ومتشابكة مع بعضها بعض بحيث لا يمكن الفصل بينها بصورة دقيقة مما يجعل المثقف العادي والمثقف المخصص كليهما بحاجة إلى الإلمام إلماماً أولياً بأكبر عدد من فروع المعرفة، والحديث عن الثقافة يقودنا إلى الحدث عن أهم المصادر التي تزودنا بها، وهي الصحف والمجلات والكتب، فالصحف ولاسيما اليومية تزودنا بالأخبار والقصص الإخبارية وكذلك بالثقافة المنوعة، ولكن يبقى الخط السياسي المتخصص هو السائد فيها، وهذا يعني أن الصحيفة اليومية تعمل في اتجاهين، أحدهما منوع والثاني متخصص، أما المجلات فمنها الاختصاصية ومنها المنوعة ومنها كذلك الاختصاصية - المنوعة، فالمجلات المنوعة تزودنا بشتى أنواع المعارف دون حدود أو قيود على أي فرع من فروعها، في حين تقتصر المجلات المتخصصة على حقل متخصص واحد، ولكن بعمق وتركيز شديدين، أما المجلات الاختصاصية - المنوعة، فإنها تركز على جانب واحد من جوانب المعرفة ولكنها لا تهمل الجوانب الأخرى توخياً للتنويع، ولكل نوع من أنواع المجالات دوره وأهميته، كما أن له عشاقه وزبائنه سواء من القراء العاديين أو المثقفين رفيعي المستوى أو المتخصصين المتعمقين، ولا مجال لتفضيل نوع منها على آخر.
أما الكتب فإن معظمها متخصص في مجال من المجالات الاقتصادية أو التربوية أو العلمية أو الأدبية أو السياسية أو غيرها، وهناك كتب قليلة ذات موضوعات متنوعة المشارب والألوان وهي أشبه ما تكون بالمجلة الجامعة التي تأخذ من كل حديقة زهرة وتجمع من كل وادٍ عصاً، إلا أن الموضوعات التي تتنقل بين ميادين مختلفة متباعدة التي لا يجمعها جامع أو يربطها رابط قد لا تكتسب على الأغلب صفة كتاب حقيقي، وهناك كتب ذات سمتين، منوعة وتخصصية في آن واحد وهي تضم مقالات منوعة متفرقة ينتظمها ويجمعها على مائدة مشتركة خط واحد ويوحد بينها موضوع محدد، مثال ذلك سلسلة من المقالات حول علم من الأعلام أو عمل أدبي.. الخ.
وهكذا فإن الكتاب الذي تصب موضوعاته في مصب واحد وتنصهر محتوياته في بوتقة مشتركة هو الأقرب إلى مفهوم الكتاب الحقيقي.
وبعد: فإن عصر المعلومات والتفجر المعرفي الذي نعيش في ظلاله اليوم هو عصر نحتاج فيه إلى المعلومات المنوعة والمتخصصة في آن واحد، فكما أن المسافات بين أجزاء العالم المختلفة أخذت تضيق وتتقلص فإن العلوم المختلفة أصبحت متداخلة ومتشابكة ومتصلة بعضها بالبعض بالآخر، ولم يعد بوسع أي مثقف متخصص أن يستغني عن الإحاطة بأكبر قدر من المعلومات والمعارف المنوعة بالإضافة إلى ضرورة تعمقه بشكل مركز في مجال اختصاصه.
- القويعية