أشرت في المقال السابق إلى ملاحظات حول مبنى إدارة جوازات الرياض من حيث الأثاث والمكاتب وقدم المبنى الذي أصبح تراثياً لا يليق بجهاز حكومي يقدم خدمة عامة ويعبر عن مستوى التقدم العمراني واقتصاد المملكة القوي.
رابعاً: الجوازات بشكل أو بآخر جهاز تحصيلي، أي أنه يتلقى أموالاً مقابل ما يقدمه من خدمة من خلال رسوم إصدار الجوازات وتأشيرات القدوم والمغادرة - خروج وعودة - وبالتالي لا بد أن يحسن من أدائه وتعامله مع المراجعين (العملاء)، فخدمة العملاء تتطلب التعامل الجيد التي يرضى عنها العميل.
خامساً: الجوازات لم تدخل في أجندتها الخدمات المقدمة للمرأة، ففي جوازات الرياض وضعت المرأة على هامش اهتماماتها، فهي لم تخصص لهن صالة مستقلة ومدخلاً مستقلاً وموظفات لتقديم الخدمة، بل عزلت النساء وتم منعهن من الدخول. ويمكن مشاهدة النساء على أرصفة طريق الملك فهد في صورة غير حضارية خلف الأسوار والأبواب، وفي حالات وضع لهن أشبه بالخيام أو حواجز من الأروقة داخل إحدى الصالات. فهل خدمة الجوازات للرجال فقط، ثم لماذا لا توضع إدارة نسائية لإصدار جوازات النساء دون الحاجة للمعقبين والوكالات.
سادساُ: هناك شريحة واسعة من المراجعين هم من طلاب الابتعاث، وطلاب اللغات العالمية، وطلاب التدريب وهم فئة من الشباب دون سن (21) سنة لكنهم مبتعثون وطلاب لغة يسافرون إلى أقصى الغرب الأمريكي وشمال وأوربا والنهايات البعيدة في الصين واليابان وأستراليا ونيوزلندا، يجتاحون الحدود ويعبرون المطارات وهم طلاب: طب وصيدلة وقانون وحاسب وهندسة وعلوم طبية، ثقتهم بأنفسهم عالية, ويفخرون بوطنهم, ويتطلعون إلى مستقبل زاهٍ لخدمة وطنهم، لكن تجدهم في الجوازات (مكسورين) من تعامل الموظفين، تلاحقهم العبارة الشهيرة (جب أبوك, حضر ولي أمرك)، يتم التعامل معهم بصورة منقوصة، حتى في تقديم أوراقهم واستلام جوازاتهم. جواز السفر من الوثائق الأولى بعد الهوية الوطنية لروابط ترسيخ الانتماء والولاء لدى هذا الجيل، فإذا كنا نسقطه في هذه اللقاءات الأولى ونجرده من الثقة فإنها تسبب له انعكاسات سيئة تجاه حبه العظيم لبلاده. أنا لا أتحدث عن الوصاية لمن هم دون سن (21) سنة وهم من طلاب الابتعاث والتخصصات العلمية: الطب والهندسة والحاسب، ولكن التعامل معهم بهذه الصورة أشبه بمدارس الابتدائي وعبارة: (خل الوالد يجي, أو وين أبوك) تجعلنا نخسر هذا الجيل ونعطيه رسالة خاطئة تجاه وعيه ونضجه وافتخاره بنفسه داخل وطنه.
سابعاً: جهاز جوازات الرياض ما زال يعيش أزمنة إدارية ومهنية من استلام الأوراق وتسليم الجواز بطريقة (الدروج) والرفوف والممرات المظلمة والاصطفاف خلف أبواب المسؤولين، وخدمات البوفيه والتصوير ومواقف المراجعين يجعلك تعود لأزمنة بعيدة في تحضرنا لا تتناسب وقطاعاتنا التنموية والحضارية ومدننا الجامعية والطبية والصناعية ومراكزنا الاستثمارية وقطاعاتنا التجارية والصناعية والنفطية، بلإانه يسيء لطموح بلد ناهض ينافس الآخرين في سرعة الخدمات ونوعيتها، ويتحدث عن الجودة والريادة.