خبر لافت نشر في الأسبوع الحالي يفيد بتوجيه هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» خطابًا لوزارة الصحة تطالبها بمعاقبة المتسببين في القصور من منسوبيها بخدمات الوزارة وأعمالها بما يقع تحت مسئوليتها وكذلك طالبتها بتقديم خدماتها للمواطنين بحسب واجباتها اتجاههم وقبله أعلنت «نزاهة» أيضًا أن الشبهة التي ظهرت للسطح احتمال وجود مخالفات فساد بإدارة تعليم منطقة الرياض ليس من اختصاصها.
وبالنَّظر في إستراتيجيَّة «نزاهة» ورسالتها وأهدافها فإنَّ الهيئة بالرغم من كل ما تغطيه من عمل لمكافحة الفساد إلا أنَّها ليست طرفًا يحقِّق أو يصدر عقوبات ملزمة على من تثبت إدانته بقضية فساد.
نعلم أن «نزاهة» عملها لا يقف عند حدود البحث عن أيِّ قضية فساد، بل يتعداه إلى ترسيخ مفهوم وثقافة النزاهة بالمجتمع بكافة أطيافه والمساهمة بحمايته من آفة الفساد التي لا يمكن حصر آثارها وأضرارها السلبية في أيِّ مجتمع إلا أن التحوّل نحو مجتمع تقل فيه أعمال الفساد لأقصى قدر ممكن لا بُدَّ وأنَّه يَتطلَّب جهودًا كبيرة تتشعب لمعايير عامة وخصوصًا تقاس على أساسها مدى توغل الفساد بالمجتمع بكافة قطاعاته وفئاته والوصول للأسباب ومعالجتها.
لكن هل دخلت «نزاهة» فعليًّا بجوهر الأسباب المؤدِّية لظهور الفساد ليس فقط حصرًا لها بل معالجة ومعاقبة وما إلى ذلك من الدور المنشود للهيئة وهل طلبت «نزاهة» تغيير لوائح عمل بعض الجهات واختصاصاتها خصوصًا الخدميَّة بما يمنع ظهور أعمال رشوة وفساد عمومًا أن مثل هذا الأمر يَتطلَّب من الهيئة الوقوف الفعلي على عمل كل جهة ومعرفة الإجراءات المتبعة والمطالبة بإلغاء كل ما يساعد على تعطيل الخدمات للمواطن ويقلص من تأثير المُوظَّف بآليات العمل بما يسهل الإجراءات ويمنع الاستغلال الوظيفي.
وبالمقابل: هل قامت «نزاهة» بتفعيل أحد أبرز استراتجياتها بتقييم مستوى الدخل للمواطن وتحديد مرئياتها حول الدخل المناسب خصوصًا لذوي الدخل المحدود، كما ورد بإستراتيجيتها، إِذْ ترى أن تحسين الدخل له مساهمة كبيرة بحماية المجتمع من الفساد والحديث عن مستوى المعيشة للمواطن يدخل فيه السكن اللائق للمواطن وأسرته وكذلك توفير العمل لطالبيه والرقابة على الأسعار ومنع الغش والتدليس وتوفر فرص التَّعليم والخدمات الصحيَّة وغيرها وكل ما قد يؤثِّر على حياة المواطن سلبًا.
فمن خلال هذا الجزء الأساسي بإستراتيجيَّة مكافحة الفساد نخرج بتصور أن لـ»نزاهة» دورًا واسعًا رقابيًّا وتنظيميًّا يمكنها من رفع مرئياتها وتوصياتها لمقام مجلس الوزراء الموقر لتفعيل كل ما من شأنه محاصرة الأسباب المؤدِّية لظهور الفساد.
إلا أن ما يلفت بدور الهيئة هو ليس دورها بكشف الفساد أو تحويل القضايا للتحقيق والجهات الرقابية أو حتَّى دورها بالاطِّلاع على النتائج من كل ما ذكر بل غياب دورها بأن يكون لها فريق قانوني يرفع القضايا على الفاسدين ويتابع ويطالب بتطبيق العقوبات الملائمة لِكُلِّ قضية حتَّى يكون لها دورٌ متكاملٌ بمكافحة الفساد ويمكنها من تنفيذ رسالتها كما جاء بأساسيات عملها وأسباب تأسيسها.
إن دور «نزاهة» كبيرٌ ومحلُ تقدير وهو واضح لِمَنْ يطَّلع على إستراتيجيتها وأهدافها وبالتأكيد لا يمكن الوصول لأفضل صور عملها بفترة قصيرة لأن الدور متكاملٌ بينها وبين الجهات الرسمية والقطاع الخاص والمواطن ولا يغفل فيه التثقيف بالمجتمع حول أهمية تحصين المجتمع من الفساد بكافة أشكاله لكن الدور الرائد والقيادي المطلوب من «نزاهة» يحتاج إلى إعادة نظر بواقع أدائها وما يعيقه إن وجد وأن يكون أكثر تأثيرًا بقضايا الفساد كطرف يقاضي ويسهم بالتحقيق بصورة أوسع وكذلك الانتقال لتطبيق ما يحمي المجتمع من الفساد من خلال دراسة اللوائح والأنظمة ومستوى المعيشة وكل ما ورد بإستراتيجيتها للوصول إلى أفضل النتائج.