مشكلة أزليّة، قائمة ما بين الأيتام ذوي الاحتياجات الخاصَّة ووزارة الشؤون الاجتماعيَّة، عايشت بعضها منذ دخولي إلى دهاليز الصحافة وإلى اليوم، لا شيء يتغيّر. وإن لمسنا بعض التطويرات بشأن هؤلاء الأيتام في المساكن أو دور الإيواء، إلا أن القضية القائمة في اعتقادي الشخصي هي منهج فكري يتَّضح من خلاله عدم وجود أيّ نُسق يجمع بين الأيتام والوزارة. فاليتيم يَرَى أن الوزارة هي أمه وأبوه اللذان يفتقدهما، بينما الوزارة هي عبارة عن دوائر ومُوظَّفين لا وقت لديهم لتوزيع مشاعر الأمومة والأبوة، وأإن كانت هذه المشاعر التي يبحث عنها اليتيم فهي من خلال منحه حقوقه واحتواءه في دور وبيوت وضعتها له الدولة، بمعنى أن مشاعر الأمومة والأبوَّة المنتظر تقديمها لهم ليست بالشكل المباشر المعني في هذه الصفة.
ما جعلني أعود إلى الكتابة عن هذه الفئة، التي اعترف بقصوري في الكتابة عنهم منذ وقت طويل، ولا أخفيكم، فإنَّ قضية الأيتام والوزارة عبارة عن متاهات تشبه بيت “جحا” لا يمكن الوصول في تتبعها إلى حلقة يمكن لي القبض عليها بكف اليد، والأشدّ من هذا وقعها النفسي على من يعيش داخلها، وقد مضت عليَّ أيَّام قبل سنوات تابعت فيها عددًا من هذه القضايا، فشعرت أنني توقفت عن الحياة، وأصحو وأنام على مجرات الألم، ولا شيء يُمكن فعله لإيجاد حلول!
لن أطيل، إنما ما أردت قوله، هو ما قرأته عبر إحدى الصُّحف يوم الاثنين الفائت، بعنوان: “أيتام يتظلّمون بسبب حرمانهم من مُكرَّمة الـ20 ألفًا” هذه الهبة بحسب أحد منسوبي مكتب وزير الشؤون الاجتماعيَّة في رده على أحد الأيتام المحرومين، إنّها من فاعل خير. بينما في الخطاب الرسمي المنشور يتَّضح أن مصدرها مكتب الشؤون الخاصَّة لخادم الحرمَيْن الشريفَيْن!
السؤال: لماذا تُرفع أسماء الأيتام ويستثنى من بينها ما يقارب الـ 44 اسمًا؟ أنا أظن -والله أعلم- أن من بين المسؤولين بِشَكلٍّ مباشر عن الأيتام من لم يرفع كل الأسماء، ولعل هذا يكون من باب التأديب أو “النحاسة” لِمَنْ هو غير مرغوب أو غير محبوب منهم، ونتذكَّر جميعًا -بعض- العقوبات التي كانت تطول من يعترض أو يتذمر أو يشكو للصحافة، ومنها عقوبات وقفت عليها بنفسي!
لا أفهم ما الذي يُمكن أن يستفيده شخص (ما) من حرمان يتيم قهره الزَّمن وحرمه من والديه، من مبلغ هو عبارة عن هبة من خادم الحرمَيْن الشريفَيْن لهذه الفئة المحتاجة، وحتى غير المحتاج “ماديًا” منهم، فبمجرد وصول هذه الهدية له من والده ملك البلاد، وأنَّه تذكره وأرسلها إليه، فهذا بحدّ ذاته بلسمٌ يداوي كثيرًا من حرقة اليُتم وهوان الذُّلّ الذي عاشه.
أنا على ثقة أن وصول هذا الخبر على مسامع مانح الهدية لهؤلاء الأيتام، فهو أمرٌ وتصرفٌ لا يرتضيه، فما منحها إيَّاهم ليقهر بها -بعضهم- لا والله، فهذا الموضوع لا ينبغي أن يمرُّ مرور الكرام، أو يعبر بلا تحقيق واستجواب ومعاقبة من تسبب في حرمان 44 يتيمة ويتيمًا من هدية والدهم!
www.salmogren.net