بعض البوح والشكوى من الأصدقاء لا يحتاج بالضرورة إلى أن تمسك مشرطك الخبير.. لتجد لهم أين مكمن علتهم.. فبعض الألم يكفيه “الثرثرة” حتى يستهلك نفسه بنفسه.. دون أن نكبح رغبة الحديث بداخلهم بحسن نية “طبعاً”.. ولتعرف موقعك من الموقف.. لا تبادر قبل أن تسمع جملة “ما رأيك؟” بوضوح تام لا تخالطه شهوة المقاطعة.

هذه الملاحظة تنتقل من الاختيار.. إلى الضرورة في موقف الفقد المهيب.. لفراق أو موت الرفيق.. فلا أسوأ من محاولة التصدي لوجعهم بنصحهم أن لا يمارسوا ضعفهم وعريهم أمام خسارتهم الفادحة.. ليغلق الجرح على ضجيج الذكريات.. وتأنيب الضمير على مواقف كانت وانتهت.. وندم الخطوات التي لم تتخذ يوم كان موجوداً ذاك الرفيق.

وكذلك جل العلاقات المنتهية كانت للأسباب التي لم تقال.. أما ما قيل فلا يتعدى شماعة التبرير.. وتقاذف المسئولية.. وحيرة الطريق تبدأ عندما تصمت الأسئلة عن تحري الوجهة.. والشك إنما يحط رحاله في مكان فقد حرية الحوار.. واستبدله بعبودية النفاق.. خوفاً من الرفض.. أو المواجهة.. أو المخالفة.

للغربة معانٍ أكثر من الأوطان.. فالغريب من اضطر إلى قول ما لا يعنيه تحديداً.. فقط لأن الغرابة أمر يستدعي الريبة.. ولولا الغرباء لما قامت للحياة قفزات العلم والتقدم.. يوم تجرأ الغريب ليخالف العرف ويسأل السؤال المحرم.. والتافه.. والغبي.. وغير المنطقي.

فهذا المخلوق الجميل المسمى إنسان.. لا حدود لتصاعده بين معجزات الإبداع.. طالما أنه لا يخاف من تبعات الأسئلة.. والبوح بشفافية عن ما يختلج في صدره ويمور في عقله.. ليمارس قيمة الميزة التي خُلق بها.. ويبحث عن الحقيقة التي لم ولن تكون ملكاً لأحد عن أحد.

ولا عيب أن لا يملك أحدنا الإجابة.. إنما العار أن نجرم القول.. لأن الإجابة مستعصية.. ونأخذها على محمل شخصي كأنها اتهام لنا بالجهل والتضليل.. أو نزعم أن ما عندنا جوهر الحقيقة وشمسها.

الحقيقة المطلقة أن عقل الإنسان حر ولسوف يبحر أينما أخذه الخاطر.. وصمت اللسان ليس دليلاً على الاقتناع والطاعة والولاء.. فما أبشع أن تزرع بتعنتك بذور الكذب لترضى عنهم.. فمن تخدع غير نفسك يا هذا؟

قانون السلوك فضيلة ويحقق التوازن.. وقانون الأفكار إرهاب يجبر الفعل أن يحدث من تحت الطاولة بحضورك ودون علمك.. لتكون أول المغفلين.

خارج النص: عندما تتحدث المرأة برحمة ودعها غضب الاشتياق.. فاعلم أنها تشيع الحب لمثواه الأخير.