(الجزيرة) هذه الأيام تواكب (الأفراح) في كل مكان، وتسجل بالصورة والكلمة سعادة الناس بأفراحهم واحتفالاتهم الموسمية.
هنا أتوقف برهة بل لحظة عابرة وأقول لنفسي كم عدد قصور الأفراح المنتشرة في أرجاء المملكة، وكم عدد قاعات الاحتفالات في الأحياء والفنادق؟
لا يراودني الشك إطلاقاً أنها تتجاوز عشرات الآلاف وتعمل على مدار العام وتزدهر أيام الإجازات الأسبوعية والعطل السنوية والأعياد.
كنت مدعواً لفرح أحد الأقارب في نهاية الأسبوع الفارط في قصر أفراح شهير يقع على طريق الملك عبد الله، وكانت مواقف السيارات (الشحيحة) في واجهة باب النساء المدعوات للحفل.. شدني ولفت نظري ذلك (البودي قارد) القادم إلينا من إحدى الدول العربية يقف بشحمه ولحمه ومناكبه التي تشبه لاعب رفع الأثقال في فوهة الباب، لدرجة أن الهواء لا يدلف إلى داخل قاعة الفرح من كتلة اللحم البشري الرجالي التي سدت الباب، وكان المشهد مزرياً والنساء يقفن في طابور طويل لإبراز بطاقة الدعوة للمدعو (بودي قارد) أو حارس قاعة النساء!
وبالكاد كانت المرأة أو الشابة المدعوة للحفل تدخل بصعوبة إلى داخل القاعة وكأن أمامها (تريلا) واقفة في (سكة مسدودة)!
بالله عليكم هل هذا المنظر (المقزز) يرضيكم يا من تنادون وتحاربون عمل المرأة في كل شيء.. هل ترضون لمحارمكم أن يحتكّنَّ بمثل هذا الرجل وأمثاله الآلاف في جميع قصور وقاعات الأفراح ويستلموا بطاقات الدعوة من أيدي نسائنا؟
هل ترضون أن تلامس أجساد أو حتى (عبي) زوجاتكم وبناتكم هؤلاء الرجال الغرباء؟!
إنني حزين جداً على هذا الوضع المؤسف، وحزين أكثر أن وزارة العمل تفرغت تماماً لتوظيف النساء في الأسواق وتناست قصور وقاعات الأفراح التي أجزم أنها ستستوعب عشرات الآلاف من السيدات العاطلات عن العمل بدلاً من النسبة نفسها من الرجال الأجانب الذين يتفرجون على زوجاتنا وبناتنا وأخواتنا في الدخول والخروج لهذه القاعات والصالات والقصور!
سؤال بريء لعامة الناس المعارضين لعمل المرأة قبل (المؤيدين): بربكم هل ترضون أن يستقبل محارمكم في الأفراح رجال غرباء من جنسيات مختلفة أم نساء من بلدكم؟
وهل يعجبكم أن يتسلم صاحب (العضلات) البطاقات من أيدي نسائكم، أم امرأة مواطنة من بنات جنسها؟ هذه السيدة السعودية التي تبحث عن العمل الشريف وما يسد حاجتها عن (البطالة) الدائمة والبحث عن الرزق الحلال!
يجب هنا ألا يقتصر العمل في قصور وقاعات الأفراح على (صبابات) القهوة (والطقاقات) فقط، بل يجب على وزارة العمل فرض نساء سعوديات للعمل في استقبال المدعوات عند بوابات الدخول والخروج بدلاً من هؤلاء الرجال الأجانب، وتوظيف مسؤولات لتنظيم الحفل والإشراف عليه، وحارسات للشنط والعبي والجوالات في جميع قصور الأفراح دون استثناء، وفرض ذلك على أصحابها اليوم قبل الغد، لأن قيامهم بوضع رجال أجانب في استقبال نسائنا أمر مخزٍ وظالم في الوقت نفسه!
قد يقول أحدهم إن عمل المرأة في الليل (مزعج) لها ولأسرتها، وأنا أقول إن هناك مئات الآلاف من السيدات اللاتي يبحثن عن العمل الحلال في الليل أو النهار ولكنهن لا يجدنه، ثم إن المسألة سهلة متى ما كانت (النوايا) حسنة والعزائم صافية من خلال تنظيم سهل جداً، وهو إيجاد باص خاص لكل قصر أفراح يحضر العاملات من منازلهن قبل الفرح، ويعيدهن إلى منازلهن بعد انتهائه، ويكون سائقاً سعودياً ومعه محرمه، بمعنى أن يكون رجلاً ومعه محرمه يحضران العاملات ويعيدانهن إلى منازلهن، وبذلك سنطمئن على نسائنا الذاهبات إلى الأفراح من الاحتكاك بالرجال، ونطمئن أكثر على توظيف عشرات الآلاف من بنات وسيدات الوطن ونقضي على بطالتهن في منازلهن ونصطاد عشرين عصفوراً بحجر واحد!
إنني آمل من وزارة العمل تفعيل هذا الاقتراح على أرض الواقع، وأن نشاهد السيدات السعوديات عاملات في قصور الأفراح في كل الأمور التي تتعلق بالنساء بدلاً من الرجال الأجانب. ويجب ألا يقتصر تركيز الوزارة على توظيف النساء في الأسواق فقط، بل يجب أن يشمل قصور الأفراح وغيرها من الأعمال التي تخص المرأة وحدها في كل مجال من مجالاتها. وإذا كانت قصور الأفراح نموذجاً لذلك فإن هناك عشرات الأعمال والمهن التي لا تليق إلا بالمرأة وحدها في معزل عن الرجال والاحتكاك بهم. فهلا فهمتم يا من تنادون بعدم عمل المرأة في كل شيء.
- عبد الله الكثيري