عيسى القدومي
حينما كانت المرأة محرومة من حقوقها في أوروبا، كانت المرأة في العهد العثماني تشيد الأوقاف وتنوع منافعها، وتبدع في إخراج الجديد منها، وكان التنافس لعمل الخير بين النساء فاعلاً؛ ففي السجلات العثمانية أكثر من 2500 وثيقة وقف لنساء فاضلات.ولم تكن المرأة مهمشة كما يحلو للغرب وصفها.
في العهود الإسلامية أنشئت أوقاف خلدها التاريخ، حققت مقاصدها، وكانت روائع وثقها التاريخ، وما خطه الرحالة في كتبهم، والتراجم في كتب السير، أرشدنا إلى أوقاف لم تكن في الحسبان، فقد خصص في أوج حضارتنا وقف لكل مطلب وحاجة، ووراء كل وقف دافع وحكاية، فالوقف دلالة على أن هناك واقفاً، وموقوفاً عليه (الجهة التي ستستفيد من الوقف أو ريعه)، ووقف (عقار أو بستان أو كتاب...)، ووثيقة وقف (حدد فيها الواقف شروطه). وناظراً يرعى الوقف، مجلساً للنظارة أحياناً، وعاملين في الوقف، ومنتفعين منه.
وسأخصص حديثي عن روائع الأوقاف في العهد العثماني، ومن ثم في تركيا اليوم، وسأبدأ أولاً بذكر روائع من الأوقاف في العهد العثماني:
- خان المسافرين (كروان سراي): وهو مأوى يوفر لابن السبيل والمسافرين سبل الراحة والمعيشة والأمان، من إيواء وطعام وشراب واستحمام.. ويوفر سبل الراحة لثلاثة أيام، وبعدها يترك المجال لغيره ليستفيد مسافر آخر من ذلك الخان.
- وقف (لكل محتاج فاكهة): وخصص هذا الوقف لتوفير سلال الفاكهة لكل محتاج ومريض؛ لأن الفاكهة في موسمها تكثر ويتمتع بأكلها أهل القدرة على الشراء، وأما الفقير فالوقف يوفر له ولأطفاله سلة من الفاكهة بين حين وآخر.
- وقف إطعام الطيور في وقت الثلوج : وخصص هذا الوقف ليوفر الذرة ونثرها على الثلوج لكي لا تموت الطيور من الجوع في فصل الشتاء وعندما يكسو الثلج الأرض وتنقطع بالطيور سبل التقاط الطعام، وكان يموت بعض منها من الجوع، فكان هذا الوقف امتثالاً لقوله [: «وفي كل كبد رطب أجر».
- وقف تجهيز العروس: وهذا الوقف خصص لتوفير جهاز للعروس الفقيرة التي تريد الزواج، ولا تجد ما يجعلها كمثيلاتها من النساء، فتأخذ ما تريد من باب الإعارة من كساء ومجوهرات وأدوات للتزين.
- وقف الحبر: وهو وقف خصص لتزويد العلماء والنساخ بالحبر حتى يستمر تأليفهم ونسخهم للكتب، وهذا من تقديرهم لمكانة العلم والعلماء، ونشر العلم بنشر الكتب.
- وقف أصحاب القوارب والحمالين: وقد خصص لمساعدة كبار السن من أصحاب القوارب والحمالين، الذين لا يتمكنون من الاستمرار في العمل بسبب كبر السن، فيحفظ كرامتهم ويرعى حاجاتهم.
- وقف تدريب النساء على الحرف والعمل: لأن المساعدات بلا مقابل تؤثر في النفوس السوية، فلا بد من العمل بمقابل، فهذا الوقف يدرب النساء، ثم يساعدهن في امتهان صنعة وحرفة من الحرف، وتعمل في هذا المجال.
- وقف نحن معك لمن احترق بيته، لأن من احترق بيته يؤمن بقدر الله عز وجل، يقوم أصحاب المعروف والحسنات بترميم وببناء الدار فوراً وتجهيزها وتأثيثها بما يحتاجه في معيشته.
- مقدم برنامج ثقافة الوقف